مقابلة موقع المستشار

www.almostshar.com/web/لن أستطيع أن أوصل شيئاً من فكري ما لم أكن أنا نفسي قد جعلت هذا الذي أعمل فيه جزءا من ذاتي

النقابلة على الموقع

www.almostshar.com/web/Consult_Inter.php?Consult_Inter_Id=13

يرتبك كثير من الناس ويفكر البعض طويلاً قبل الإجابة حين يُسألُ أحدهم (من أنت؟) ولكن كيف سيجيب الدكتور سامر رضوان عن هذا السؤال ؟؟
 

- ترتبط الإجابة عن هذا السؤال بالمقدار الذي أستطيع فيه التجرد من نفسي والنظر إليها من منظور خارجي لأحدد بعض ملامح من أكون، إذ أن نظرة الإنسان لنفسه من منظور نفسه ترتبط بأحاسيس وصور داخلية مركبة أكثر من ارتباطها بوصوفات لغوية محددة نابعة من التوصيف والترميز المنطقي لتلك الصور والأحاسيس حول بعض خصائص من يكون هذا الشخص أو ذاك. فإذا أردت أن أسال نفسي من أكون، فإني أقول بأني أنا هو ما أحس وأفكر وأسلك.
وما أحسه أن الحياة تستحق السعي والبذل فيها وأن إرادة الحياة تمنح الإنسان إحساساً صافياً يستطيع التعامل فيه مع ما حوله بانفتاح وتقبل وسعي نحو الرضا. أما ما أفكر فيه فهو أني عندما أعمل فأنا أعمل لمتعتي الفكرية أولاً وليس لشيء آخر. فإن سعيت لنفسي في هذا المجال فإني أسعى للآخرين أيضاً، إذ أني لن أستطيع أن أوصل شيئاً من فكري ما لم أكن أنا نفسي قد جعلت هذا الذي أعمل فيه جزءاً من ذاتي، وعندما أكون كذلك يصبح كل ما تمثلته مصبوغاً بهويتي الثقافية وأصبح منفتحاً على جميع مستويات المعرفة من مصادرها المختلفة ولا أعيش التناقض أو أشعر بالتهديد من معرفة لم ننتجها نحن ومن معرفة نحاول أن نكون جزء ومعرفة نريد إنجازها.

ويرتبط سلوكي بمشاعري وأفكاري من هذه الناحية، ففي حياتي الشخصية أسخر أغلب وقتي منذ بدأت تأهيلي للعمل وتتوزع اهتماماتي في البحث والاطلاع وتقديم الخدمات النفسية في أشكالها المختلفة، إلا أن الهدف الأساسي عندي هو نقل المعرفة في علم من اللغة الألمانية بالتحديد إلى اللغة العربية.


* ضغوط العمل والحياة المعيشية اليومية التي يعيشها الإنسان تجعله في وضع نفسي متقلب طوال اليوم مما ينعكس سلباً على حياته العملية والأسرية والاجتماعية والصحية أيضاً. فما الحل باختصار من وجهة نظركم؟

- لكل إنسان مصادر وموارد نفسية واجتماعية وجسمية فردية متنوعة، تقيه وتحميه الانهيار تحت ضغط هذه الموترات الحياتية. والضغوط بالأساس هي من طبيعة الحياة نفسها. وهي بحد ذاتها تمثل تحد للإنسان. فلنتأمل في ما نمر به في حياتنا من أبسط الأمور إلى أعقدها، في الجانب المادي والروحي، فكل شيء هنا يمثل تحديات للإنسان يتم فيها اختبار قدراته ومهاراته في التعامل مع ما يواجهه من مشكلات أو أسئلة مادية ونفسية واجتماعية وروحية. وما يعاني منه إنسان اليوم –في أي مكان كان- لا يختلف كثيراً عما كان يواجهه الإنسان من ضغوط، وإن اختلفت النوعية أو الشكل. وما نراه من انعكاسات سلبية هو طريقة الإنسان في مواجهة صعوباته وليس نواتج ما يعانيه. والفرق كبير. فإن اعتبرنا أن تلك التقلبات التي تنعكس سلباً على حياته الأسرية والاجتماعية والنفسية نواتج لوجب علينا أن نقر أنه هذه من مستلزمات الضغوط ومن ثم فهي أمر طبيعي علينا
القبول به، ونعتبر تلك المشكلات عادية لا تحتاج لمواجهة. أما إذا اعتبرناها طريقة في الاستجابة ومن ثم فإن هذه الطريقة خطأ وتحتاج إلى تعديل، فهنا علينا أن نعيد النظر في طريقتنا في المواجهة لأنها ليست الطريقة الملائمة للتعامل مع الضغوطات التي ستظل ترافق حياتنا مهما فعلنا. كما أن هذه الرؤية تغير من نظرتنا للضغوط نفسها على تحديات (امتحان لنا) علينا مواجهتها بالأساليب المناسبة. وهنا تلعب التنشئة الأسرية منذ الطفولة دوراً كبيراً في تنمية الموارد النفسية الملائمة للتعامل مع هذه الضغوط.

*
ما رأيكم بالاستشارة النفسية عبر مواقع الاستشارات؟ وهل ترى بأنها تقدم حلولاً تحقق نتائج إيجابية يمكن الاعتماد عليها؟

- أصبحت الاستشارة الاليكترونية شكلاً شائعاً من الاستشارات النفسية. وقد بدأت بدايات خجولة في البداية، إلا أنها اليوم واسعة الانتشار، وهناك دراسات كثيرة في العالم الغربي عن فاعلية تقديم الاستشارات عبر الانترنت وهي تعطي نتائج طيبة. وهي تتصف بأنها وسيلة سهلة الوصول إلى شريحة واسعة من الناس الذين لا تتوفر لديهم وسائل أخرى للحصول على الاستشارة نظراً لنقص المستشارين أو لعوامل أخرى. كالخصوصية الثقافية لبيئتنا التي تعيق الحصول المباشر على الاستشارة. يعاني الوطن العربي من نقص كبير في عدد المستشارين المؤهلين ومن ثم فإن الاستشارة الاليكترونية يمكن أن تغطي مساحة كبيرة.

غير أن هذا الشكل من الاستشارات ينبغي أن يرتبط برأيي بقيود أخلاقية ومهنية صارمة جداً، كي لا تتحول الاستشارة النفسية عبر الشبكة إلى وسيلة يمارسها أي إنسان، تحت مسميات عديدة. كما يفترض للاستشارة هنا أن تكون مؤطرة ضمن حدود، لا تتجاوزها. وهنا ينبغي أن تتم ممارسة عمل إعلامي واسع لتنوير الناس بالاستشارة وحدودها وإمكاناتها وما تقدمه ولا يمكن لها أن تقدمه.
فالاستشارة النفسية الاليكترونية لا تقدم التشخيص النفسي للمشكلة ولا علاجاً، ولاتقدم الحلول مهما كانت، وهدفها مساعدة طالب الاستشارة على التوجه واتخاذ خطوات يراها هو ملائمة للتعامل مع مشكلته. فإذا فهمت الاستشارة ضمن هذا الإطار فإنها تكون فاعلة أما إذا تجاوزت حدودها، فستكون الاستشارة مؤذية. هناك استشارات تسأل عن معلومات وهناك استشارات تسأل عن المشكلة التي تعاني منها، وهناك استشارات لاتنقص أصحابها المعلومات ولا الفهم العميق لمشكلتهم ولا لأسبابها وإنما يفتقدون إلى بعض مهارات التعامل مع مشكلتهم، أو غير متأكدين من طاقاتهم الذاتية ومهاراتهم ويفتقدون إلى الثقة بما يقومون به أو يتشككون ببعض ما لديهم نتيجة لنقص في المعرفة أو للمعرفة الخطأ أو لما نشئوا عليه. وهنا يمكن للاستشارة أن تكون مفيدة عندما تحاول أن تنير لكل طالب استشارة بعض الزوايا المخفية التي قد تؤرقه، وتساعده من ثم على اتخاذ القرار المناسب في كيفية التعامل مع مشكلته، ولكنها لا تقدم له حلاً جاهزاً أبداً، ولا تشخص أي مرض.


لكن ما يلاحظ للأسف أن بعض الاستشارات، تبتعد عن أهدافها، فبدلاً من أن تكون استشارة نفسية تتحول إلى استشارة تعليمية، وتقييمية، وأخلاقية، أو تقلل من قيمة طالب الاستشارة أو من قيمة ما يعاني ويشعر به، ناهيك عن أنها في بعض الحالات والأحيان تتحول إلى ما يشبه الفتوى الدينية، مع أن طالب الاستشارة لايسأل عن الرأي الديني هنا وإنما يسأل عن مشكلة يعاني منها ويحتاج للمساعدة في إيجاد الحل.

*
زيادة نسب الطلاق في السنة الأولى من الزواج هل تقف خلفها أسباب نفسية؟ وكيف يمكن تجاوزها؟

- مؤسسة الزواج (الأسرة) مؤسسة يتداخل فيها عدد كبير من الجوانب، فلها مظهر ديني ينظمها ويحدد شروطها، ومن ثم فهي ممارسة دينية، ولها مظهر اقتصادي، يتمثل في تحقيق الشروط المادية لبناء أسرة، ومظهر اجتماعي، حيث يعد الزواج شكل من أشكال الممارسات الاجتماعية الذي لا يسهم فيه الشاب والفتاة فقط وإنما الأسرة ككل أو المجتمع كله من خلال عاداته وطقوسه، وله جوانب نفسية متعلقة بالطرفين وتوقعاتهما من أنفسهما ومن بعضهما. ومن الناحية النفسية فإن قدرة الأزواج الجدد على التعامل مع خصائص الطرف الآخر والقدرة على تعديل الخصائص الذاتية بما لا ينفي خصوصية كل طرف تشكل محدداً أساسياً في استمرارية الزواج. وإحدى عناصر هذه القدرة التكيفية هي في الانفتاح على الآخر والمصارحة والوضوح في التعامل والعلاقة. وكثير من المشكلات التي تنشأ بين الأزواج من هذه الناحية تكمن في عدم القدرة على الانفتاح والمصارحة وفي الجهل ونقص المعرفة والخوف أيضاً.

يغلب لتوقعاتنا الفردية أن تكون مثالية ويخيب أملنا عندما نكتشف أن ما توقعناه مختلف عما هو واقع، ونكبت هذا ولا نتكلم عنه للطرف الآخر، ونتوقع من الطرف الآخر في الوقت نفسه أن يحقق لنا توقعاتنا دون أن يعرف بالأساس ما هي توقعاتنا من أنفسنا ومنه كشريك. وتكون النتيجة خيبة التوقعات. وعندما تخيب التوقعات نشعر بالفشل ولا نعرف مكمن الفشل، ونتبادل الاتهامات، ونغرق في حلقة مفرغة من الخيبات التي تقود إلى خيبات أخرى.

يحتاج الأزواج الذين عاشوا في بيت أهلهم حتى الآن ويجدون أنفسهم الآن ضمن نمط مختلف أو جديد من الحياة وشروط ومتطلبات جديدة إلى مهارات تكيف وتعامل تختلف إلى حد ما عما ألفوه حتى الآن. إنها مرحلة بناء علاقة وتعرف بالآخر وفهم له، لم يتدربوا عليه مسبقا ولم يهيئوا له بالشكل المناسب، ومن الطبيعي أن يرتكب الإنسان هنا الكثير من الأخطاء. فإن سعى الأزواج لفهم هذه الأخطاء والتعامل معها فالاحتمال الأكبر أن تنجح الحياة الزوجية وتستمر، وإن رفضوا وأنكروا
هذه الأخطاء وتعاملوا بردود فعل سلبية، فإن الطلاق هو المرجح هنا، نتيجة للتوقع غير المنطقي أن الإنسان سيجد في زواج آخر تحقيقاً لتوقعاته الخائبة، إلا أن المشكلة تتكرر مرة وثانية وثالثة، ويظل الإنسان خائباً هنا ويتساءل لماذا لم يجد من يفهمه بينما يكمن السبب فيه هو في الغالب لأنه لم يسع إلى هذا الفهم بالأساس بل افترض أنه موجود مسبقاً.


يحتاج التعامل مع الآخر، وإدارة حياة مشتركة، وفهم الذات والآخر إلى تعلم، وهذا التعلم لايكتسبه الإنسان لا في البيت ولا المدرسة، فلا أحد يعلمنا كيف يمكن أن ندير حياتنا ونتفهم الآخر ونفهم ما نريده للآخر، ومن هنا تكون كل تجربة زواج قابلة للفشل بمقدار ما هي قابلة للنجاح، اعتماداً على مبدأ المحاولة والخطأ. وربما يكمن أحد الحلول هنا في دمج مهارات التعامل والتواصل ضمن المناهج التعليمية، وتنظيم دورات للمقبلين على
الزواج ودورات للوالدية يلتحق فيها الراغبون في الزواج يكتسبون من خلالها مهارات أساسية تساعدهم في بناء علاقة سليمة بالطرف الآخر. في الغرب يتم في عديد من الدول إجبار الأزواج الراغبين بالطلاق على اللجوء لمتخصص نفسي أو الالتحاق بدورة نفسية قبل اتخاذ القرار النهائي وقبل أن يبت القاضي بأمر الطلاق، فهل يمكن البدء بالتفكير
بمثل هذه الأمور في بيئاتنا بما يتناسب مع ثقافتنا ومرجعيتنا الدينية؟

* ما هي أكثر الأمراض النفسية التي يمكن أن يصاب بها الأطفال؟ وفي أي الأعمار؟ وكيف يمكن اكتشافها وعلاجها؟

- تختلف خصائص الاضطرابات النفسية عند الأطفال عما هو الحال عند الكبار. ونسبة كبيرة الأطفال تظهر عليها في مراحل نموها المختلفة مظاهر شبيهة جداً من مظاهر الاضطرابات النفسية، إلا أن قلة منهم من يعاني من مرض أو اضطراب نفسي جدي، لوجود خصائص يتمتع بها الصغار لا تتوفر لدى الكبار وهي المرونة والقدرة على التعويض. ولكل مرحلة عمرية خصائص مميزة وترتبط بمشكلات أو مظاهر من المشكلات التي تختلف عن المراحل العمرية الأخرى. يحصل في كثير من الحالات خلط بين المشكلات النفسية التي قد يمر بها الأطفال في مراحلهم المختلفة والتي لاتستدعي بالضرورة التدخل أو تحتاج إلى تدخلات من نوع خاص، وبين الأمراض والاضطرابات النفسية التي تحتاج إلى تدخل.


وإذا أردنا الاعتماد على الدراسات العالمية فإن أكثر مظاهر المشكلات (مع الأخذ بعين الاعتبار المراحل العمرية المختلفة) هي العناد والمزاجية والنظافة والجدال والعناد وطلب الانتباه وعدم الطاعة ومقاومة الأهل والغيرة والتباهي أما أكثر الاضطرابات (والأمراض) النفسية انتشاراً فهي الإعاقات العقلية والتوحد سلوك فرط النشاط وصعوبات الانتباه والتركيز وصعوبات التعلم واضطرابات الكلام والسلوك العدواني والمخاوف وغيرها وصولاً إلى اضطرابات الأكل والاكتئاب وغيرها في مرحلة المراهقة، وهي تختلف باختلاف المرحلة العمرية. ولا تتوفر لدينا في البلدان العربية دراسات مسحية موثقة حول نسب الانتشار. يتطلب الاكتشاف المبكر وجود معلومات حول توزع هذه الاضطرابات وتوعية الأهل في الانتباه واكتشاف هذه المظاهر، وتدريب المعلمين في المدارس على الاكتشاف المبكر لمظاهر المشكلات والاضطرابات، وتدريب العاملين في الرعاية الصحية الأولية من أطباء عاميين وممرضين على تقديم خدمات الدعم النفسي الاجتماعي التي من ضمنها التعرف على مظاهر الاضطرابات والاكتشاف المبكر لها، ونشر خدمات الصحة النفسية المتكاملة (الطبية النفسية والنفسانية والاجتماعية) في المناطق المختلفة. ووجود المتخصص النفسي في المدرسة ضرورة لابد منها في هذا المجال.

وتتوفر اليوم طرق وأساليب نفسية فاعلة في التعامل مع جميع أنواع المشكلات والاضطرابات النفسية أو لتحسين وضع الإعاقات والأمراض غير القابلة للشفاء موجهة للأهل أو للأطفال أو لكليهما معاً. والمهم في هذا الأمر هو تطبيع خدمات الصحة النفسية، أي جعلها جزءاً من الممارسة اليومية للإنسان واعتبارها أمراً عادياً، وتنمية الوعي بأن المشكلات النفسية مثلها مثل الأمراض الجسدية لاتستدعي الخوف والخجل، وهي ليست ناجمة عن فشل الأهل في التربية أو لتقصير (مقصود) منهم. وتوعية الأهل في مهارات التعامل والتربية والتعرف على علامات المشكلات والعمل ضد العنف الجسدي واللفظي، وخلق روح التسامح وتقبل الآخر.
*
عمل سعادتكم في عدد من المراكز والوظائف وأسهمتم في خدمة المجتمع العربي وشاركتم في عدد كبير من الأعمال التطوعية ... فما هي خلاصة تجربتكم وما الخطوة القادمة التي أنتم بصدد تنفيذها؟
- تجربتي الحياتية تجربة إنسانية بكل ما فيها من تنوع، كانت غالبية الظروف المحيطة بها وما تزال ظروفاً خانقة للإبداع ومعيقة للعطاء ومولدة لليأس والاستسلام. وتلك هي السمة المميزة لمحيطنا عموماً، وإن اختلفت بدرجات. لكن الإيمان المستمر بالخير الكامن في أعماق الإنسان وبالأهداف يمكن أن تحول كل هذه المعوقات إلى أشكال من التحفيز المثمر. ويمكن للعمل أن يثمر، إن كان نابعاً من روح الإنسان وموجهاً لذلك الجانب الإنساني الكامن فيه. وإذا عملت على الإنسان واستثمرت فيه فسوف تجد نتائج طيبة، قد لاتكون ملموسة كالإنجازات المادية، لكنها على المستوى النفسي والروحي عظيمة.
بدأت في عملي بإنجاز سلسلة مؤلفة و مترجمة مترابطة من المواضيع النفسية الإكلينيكية، من صور الأمراض والاضطرابات والعلاج النفسي باتجاهات مختلفة وأنا الآن بصدد إنجاز جزء مكمل لهذا يتعلق بالتشخيص النفسي. وهي أغلبها موجهة للطلاب والمتخصصين لأن إعدادهم الإعداد الصحيح وتوفير المعلومة الصحيحة والدقيقة يسهم في رفع سوية ما يقدم من خدمات للجمهور العريض. يضاف إلى ذلك توسيع مساحة التدريب للمتخصصين النفسيين في مهارات العلاج النفسي. وأرى هنا أن ميدان العلاج والإرشاد النفسي مازال يكتنفه الكثير من الغموض وسوء الفهم، وهناك خلط كبير بينه وبين العلاج الطبي النفسي، مع أن ما يمكن للعلاج النفسي (المعالجة النفسانية) أن يقدمه في مجال الوقاية والرعاية والدعم والمساندة والإرشاد والعلاج أوسع بكثير من ميدان الطب النفسي. والخطوة المهمة في هذا الاتجاه توسيع هذه القاعدة من المعرفة عبر ما أقوم به في مجال التدريب.
*
من وجهة نظر سعادتكم ما أهمية وجود مرشد نفسي إلى جانب المرشد الأكاديمي في الجامعات؟

- علم النفس هو علم الإنسان وأينما وجد الإنسان توجد هناك حاجة للمساندة والدعم. ففي أي مؤسسة توجد مكونات مادية تقوم عليها هذه المؤسسة، كالأبنية والأجهزة الكهربائية والاليكترونية وغيرها. وهذه المكونات المادية تحتاج باستمرار إلى الصيانة المستمرة، وإلا توقف العمل وتكبدت المؤسسات خسائر مادية جراء هذا، وقد تنهار المؤسسة كلها أو جزء منها. وكذلك الإنسان العامل في هذه المؤسسات، يحتاج إلى صيانة مستمرة، إلى دعم ومساندة، واستشارة وتدريب، وتدخل وعلاج في حال الضرورة إذا أردنا لهذا الإنسان أن يكون سليماً صحيحاً منتجاً ومبدعاً. ومع عدم إمكانية المقارنة الدقيقة بين الإنسان والآلة إلا أن الصورة التي أريد أن أظهرها هنا أن الدعم النفسي، سواء كان استشارة أم إرشاداً أم علاجاً، قد أصبح ضرورة ملحة في جميع المؤسسات التي فيها يعمل فيها ويديرها البشر، إذا كان هدفنا هو الإنسان السليم نفسياً وجسمياً واجتماعياً وروحياً.


إن كثيرا من مظاهر ضعف الثقة بالنفس، وفقدان الهوية، والتشتت والضياع الذي يصيب الشباب، والسلوكات غير الاجتماعية، والجمود وعدم القدرة على تقبل الآخر وعدم القدرة على التسامح، بل حتى التطرف في الأفكار والسلوك ناجم عن الإهمال الكبير في هذا الجانب،وعدم منح هذا الجانب الأهمية التي يستحق. فإن لم يجد الشباب المكان الآمن الذي يستطيعون فيه إيجاد متخصص يساعدهم في الإجابة عن تساؤلاتهم، وفي حل مشكلاتهم التي
يواجهونها، فلسوف يكونون عرضة للفشل والإخفاق ولكل أشكال الاضطرابات والمشكلات النفسية والاجتماعية المتنوعة وسيكونون عرضة للتمسك بأول يد تمتد لهم تدعي أنها تقدم لهم الإجابات الشافية عن معاناتهم، وغالباً ما لا تكون هذه الأيدي نظيفة أو ذات نوايا طيبة، بدءاً من أيدي مروجي المواد والعقاقير المؤذية لهم وانتهاء بأولئك الذين يروجون لأفكار التطرف والتعصب الأعمى لفكرة أرضية ترتدي عباءة الدين. وبالطبع هذا لا يعني أن الإرشاد النفسي في الجامعات أو المؤسسات سيحل جميع المشكلات، لكنه سيسهم بإمكاناته الواسعة في خلق أرضية ملائمة تساعد على التنمية البشرية.
ظهرت في الآونة الأخيرة عدد من العلوم التي صممت في برامج ودورات تدريبية تنسب أو تربط في نهاية المطاف بعلم النفس ونتج عنها انتشار مصطلحات مثل (مرشد نفسي .. معالج نفسي ... محلل نفسي ... قارئ للخط ... قارئ للرسم...) تتزين بها السير الذاتية لعدد من العاملين في قطاع التوجيه الإرشاد بصفة عامة في العالم العربي ... السؤال هل يرى سعادتكم أن من يحصل على دورات يمكن أن يكون مؤهلا ليقدم استشارة لعموم المجتمع؟

- يزداد الوعي لدى الناس في وطننا العربي يوماً بعد يوم بأهمية التنمية الذاتية وتحقيق الذات، وأهمية الصحة النفسية
عموماً في جوانبها الجسدية والنفسية والاجتماعية والروحية. فالإنسان الصحيح نفسياً وروحياً واجتماعياً وجسمياً –وبشكل نسبي طبعاً- هو الإنسان القادر على أن يعيش الدين والدنيا بانسجام وتوازن. وحيثما وجدت حاجات إنسانية وجدت الأسواق أيضاً، التي يدعي كل منها أنه يشبع حاجات وجوانب مختلفة. ولأن علم النفس هو علم الإنسان ويمس الجوانب الانفعالية والمعرفية والدافعية فيه فمن الممكن استغلاله ليس لمصلحة الإنسان بل لإلحاق الأذى. فهو مؤذ بمقدار ما هو نافع. ولأن لمصطلح علم النفس جاذبية لدى الجمهور، فإن كثير من المدعين يستغلون الاسم لترويج أفكار واستغلال الناس وللدجل والنصب، فيدعون أنهم يستطيعون تحديد شخصية الإنسان كلية والتنبؤ بمستقبله وحياته. إنها الشعوذة العصرية، وكما هو الأمر في الشعوذة منذ القديم وحتى الآن فإن للجهل بالعلم وغياب التفكير العلمي عن البشر دور كبير في هذا، خصوصاً عندما يتم إلباس هذه الطرق اللباس الديني، أي عندما يتم توظيف الدين فلإيهام بصحة ما تتم ممارسته.

العلاج النفسي بأشكاله المتنوعة الكثيرة، سواء العلاج التحليلي أم السلوكي المعرفي أم المتمركز حول المتعالج أو المنظومي، عبارة مجموعة من الأساليب والطرق المبرهنة علمياً والمثبت فاعليتها في معالجة مشكلات واضطرابات محددة، وتستخدم وفق معايير معين، ويمارسها أشخاص يحملون مؤهلات جامعية عالية في تخصص علم النفس بعد إجراء تدريب يتراوح بين 600-4000 ساعة تدريب. وكذلك الإرشاد النفسي المشتق من هذه الطرق الذي يساعد الفرد في زيادة فهمه لنفسه وقدراته في التعامل مع مشكلاته الحياتية وإدارة حياته وتحسين تواصله، وزيادة إنتاجيته. وكلاهما الإرشاد والعلاج يستخدمان أساليب تشخيصية متنوعة منها المقاييس والاستبيانات المتنوعة ومنها الرسم ومنها الخط ومنها الأحلام وغيرها. وهي أدوات ووسائل مازالت قاصرة عن أن تكون مؤشراً دقيقاً، وهي لا تشخص الإنسان وإنما تشخص مظاهر معينة من السمات. ومستخدمها ينبغي أن يكون مؤهلاً تأهيلاً خاصاً ومدرباً على استخدام هذه الأدوات وألا يتم استخدامها إلا للأغراض الموضوعة لأجلها. وبالطبع فإن العامة تجهل هذا، ويتم إيهامها أن تلك الأدوات تشخصهم هم وتقول لهم من هم وتتنبأ بمستقبلهم أو غير ذلك. ناهيك عن أن هذه الطرق والأساليب قد ولدت ضمن بيئات ثقافية مختلفة عن بيئاتنا وخصائص لغوية مختلفة عن لغتنا العربية ونقلها بهذا الشكل وتعميمها على مجتمعاتنا ليس صحيحاً من الناحية العلمية ومن ثم فإن أي مقولة أو استنتاج منها يكون خطأ (هذا إذا افترضنا بأنها بالفعل هي كما تدعي).


وباختصار من يمتلك تأهيلاً أساسياً في علم النفس لمرحلة الماجستير على الأقل ومؤهل بالتدريب المعتمد بإحدى الطرق المعترف بها عالمياً (طريقة مسندة علمياً تقوم على الدلائل) يمكنه ممارسة الإرشاد النفسي أما ماعدا ذلك فهؤلاء يمكن أن يكونوا أي شيء عدا عن ممارسين للخدمات النفسية الإرشادية.

*
بصراحة تامة ... ما هو رأيكم تجاه سياسة موقع المستشار ومستوى أدائه؟ وما هي مقترحاتكم لتطويره؟

- استمرار موقع المستشار وتوسعه المستمر دليل على نجاحه. ما يميز الموقع هو توجهه لتقديم خدمات متكاملة، اجتماعية ونفسية وطبية ودينية، يجد فيها كل مهتم غايته. ومن متابعتي للموقع فإني وجدت أن من يقوم على إدارته أشخاص يتمتعون بكفاءة مهنية يسعون لتطوير أنفسهم وعملهم باستمرار ويحترمون ويقدرون التخصصات المختلفة، ويطرحون القضايا والمشكلات بحيادية كبيرة دون تدخل. كما أن الموقع في سعيه لتطوير أداءه وأداء العاملين فيه لم يترك الأمر للانطباعات الذاتية وإنما يعمل على أن يكون تقويمه للأداء وفق محكات محددة وملموسة. هذا على الرغم من أن إدارة المواقع الاليكترونية أمر صعب لأنه يحتاج للتنسيق والمتابعة إلا أن الموقع نجح بدرجة كبيرة في المتابعة والتنسيق. ولعل الخطوة الحالية في جعل الموقع أكثر تفاعلية مع الجمهور والمستشارين إشارة أخرى على مدى الالتزام في تقديم رسالة توعوية وتثقيفية تصل لشريحة كبيرة من الجمهور

وملاحظاتي على المستشارين الأفاضل أكثر من ملاحظاتي على الموقع إذ أتمنى على المستشارين، وهذا لا يعني التعميم، أن تكون ردودهم مسؤولة أكثر في بعض الأحيان، وألا تكون مجرد عبارات عامة جداً، لاتفيد، وألا تخرج عن إطار الاستشارة النفسية لتصبح فتوى دينية أو مجموعة من التقييمات لطالب الاستشارة. جميعنا قد يواجه مشكلات لايعرف كيف من الممكن الرد عليها أو يجد صعوبة في فهمها كلية، وهنا ليس من العيب القول أني لا أستطيع الرد على هذه الاستشارة أو ليست من ضمن مجال معرفتي. فهذا أفضل من إعطاء معلومة لاتنفع.


وأقترح على الموقع في خططه المستقبلية إعطاء اهتمام أكبر من خلال مساهمات أعضاءه في الطفولة واليفوع. كأن تكون هناك زاوية اسمها "المستشار للأطفال واليافعين" يتم فيه تقديم معلومات مبسطة جداً حول الأمور التي تهمهم، كالمعلومات الطبية المبسطة عن أجسادهم أو عن المسائل الجنسية حسب مستوى نموهم، وحول مخاطر الإدمان والسلوكات غير الصحية وغيرها من الأمور المتعلقة بتنمية الصحة عموماً في جوانبها المادية والنفسية والروحية –وعم تمريض أو تأثيم كل شيء
والنظر له من زاوية المرض والذنب - . وأعتقد أن هذه الخطوة ستكون سباقة. إذ ألاحظ من خبرتي أن كثير من المشكلات ناجمة عن الجهل بما هو سوي وغير سوي، بما هو طبيعي
وغير طبيعي، وهنا يمكن للمعرفة المبسطة أن تسهم في الوقاية من كثير من المشكلات والاضطرابات والانحرافات.

كما أقترح على الموقع إذ كان ذلك ممكناً، أن يتم الطلب من طالب الاستشارة تقييم مدى استفادته من الاستشارة على مقياس من صفر إلى عشرة، سواء الآن أم بعد حصوله على الرد بفترة معينة، إذ من خلال هذا التقييم يمكن أن يتحسن أداء المستشارين أنفسهم، ناهيك عن أنها تعطينا كمستشارين مؤشراً عن مدى فهمنا للمشكلة أم لا. ففي عملنا يعد فهم المشكلة أساس المساعدة، والتأكد من فهم المشكلة لا يأتي إلا من خلال صاحب المشكلة نفسه، وليس من أية جهة أخرى.


أشكر موقع المستشار الذي أتاح لي الفرصة لأكون أحد مستشاريه وأرجو أن يستمر الموقع في أداء
رسالته بتطوير مستمر.