مستقبل العلاج النفسي

مستقبل العلاج النفسي

www.kutub-pdf.net/book/7059-%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A8%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B3%D9%8A.html

 

الكمال معيار السماء؛

أما الإرادة الكاملة فهي معيار الإنسان

غوته

 

مقدمة

إن من يحب علم النفس، لابد وأن يملك سبباً لأن يخجل من العلاج النفسي ولكن ما نريده بهذا الكتاب هو أن نسهم في علاج نفسي يمكننا الدفاع عنه نحن النفسانيين.

إنه لمن التحديات العلمية الأخاذة لعصرنا أن نتعلم فهم الإنسان في سلوكه وخبرته. فالوعي بأننا نحن البشر أنفسنا، أفعالنا وسلوكنا، هي التي تسبب لنا أكبر المشكلات، ينتشر باطراد متزايد ولهذا فإن السؤال لماذا يتصرف الناس هكذا وكيف يتصرفون يجتذب نحو دراسة علم النفس شباباً موهوبين أكثر فأكثر. فعلم النفس يعد اليوم من أكبر التخصصات في جامعاتنا.

كما ويتزايد الوعي بأن كثيراً من المشكلات التي كانت حتى وقت قصير مضى تعتبر أمراضاً مفروضة من الخارج، قدراً أو سوء حظ، ترتبط مباشرة بالكيفية التي نعيش فيها، وبالتالي فإننا نتحمل مسؤولية خاصة أكبر عنها وكذلك إمكانات تأثير أكبر مما كنا نعتقد لفترة طويلة. فهل علينا أن نعيش كما نعيش الآن؟ ألا نستطيع نحن أنفسنا أن نمتلك تأثيراً إيجابياً على قدرنا من خلال تغيير تصرفاتنا وأفعالنا؟ ألا يفترض أنه عندما نتعلم فهم أنفسنا في خبرتنا وسلوكنا بشكل أفضل أن يساعدنا هذا على السيطرة على مشكلاتنا الناجمة عن ذلك ؟.

إن غالبية الناس الذين يشعرون بالانجذاب نحو علم النفس وقضاياه، يربطون مع انجذابهم أيضاً نوع من التوقع والأمل بأن يتمكنوا من الاستغلال العملي للمعارف المكتسبة في علم النفس حول الإنسان من أجل خيره. وبنصب الأمل الأكبر بشكل خاص على تطبيقات علم النفس لأغراض شفائية، أي بشكل خاص على علم النفس العيادي (الإكلينيكي) أو العلاج النفسي. فغالبية دارسي علم النفس يريدون أن يصبحوا معالجين نفسيين بالمعنى الأوسع.

وكل هذا يتيح للنفسانيين العياديين والأطباء المهتمين بعلم النفس أو بالعلاج النفسي التمتع بوظيفة اجتماعية أخاذة وهوية مهنية جذابة لها مستقبل.

غير أن كثيراً مما يحدث اليوم تحت تسمية العلاج النفسي، ليس له علاقة كبيرة بما تحدثنا عنه حتى الآن. فالشكل الذي يتم فيه عرض العلاج النفسي على صفحات إعلانات المجلات والجرائد و على رفوف المكتبات عبارة عن عالم من الغورو Guru[1] وأتباعهم المقلدين الذين مازال ينبض فيهم الرمق الأخير من الحياة، بل الأحرى الميتين. فالشيء الذي  يجمع هذا النوع من العلاج النفسي الذي يتصف بالاعتقادات عوضاً عن العلم هو التجاهل لما تم إيجاده عبر مائة سنة من علم النفس العلمي حول اضطرابات الخبرة والسلوك الإنسانيين وإمكانات التأثير النفسي عليها، إذ أن هذه المراعاة ستشكل لهؤلاء معرفة مُلزِمة عموماً وبالتالي ستقود إلى سحب الأسس التي قام عليها مثل هذا النوع من العلاج النفسي. وللأسف فإن هذا العلاج النفسي المتجه عقائدياً بدلاً من أن يتجه علمياً لا يوجد خارج نظام الإمداد الصحي الراسخ فحسب بل ويدعي أنه يمثل الشكل الحقيقي للعلاج النفسي.

ونريد في هذا الكتاب تفنيد هذا الادعاء بحدة. فالتطبيقات المساعدة لعلم النفس العلمي تمتلك الكثير جداً مما يمكن أن تقدمه للمجتمع، يفوق الحد الذي يمكن عنده التخلي عن جزءٍ أساسيٍ منه كالعلاج النفسي للطوائف العلاجية. ومطلبهم أو ادعاؤهم في تمثيل العلاج النفسي، لم يصل بعد إلى درجة أن يبدو غير معقول عموماً بالنسبة للمجتمع، لأن النتائج العلمية في مجال العلاج النفسي تبدو بالنسبة للجمهور وحتى بالنسبة لجزء عريض من جمهور المتخصصين وكأنها لا يمكن الإحاطة بها ومتناقضة و غير واضحة إلى حد يستطيع المرء من خلاله الالتفات إلى التقييمات في هذا المجال بدلاً من الالتفات إلى وصف المدارس العلاجية المختلفة. ومن نافلة القول أن من مصلحة هذه المدارس استمرار الوضع على ما هو عليه. فعند وجود نتائج علمية أوضح لا بد من توقع قيام محاولات للتشكيك فيها. ونحن على قناعة أن النتائج في مجال العلاج النفسي واضحة في الواقع كفاية من أجل اشتقاق إجراءات واسعة لتعديل العلاقة القائمة. ومن خلال هذا الكتاب سنحاول إثبات هذه الرؤية.

لم يوفق حتى الآن ممثلو علم النفس والعلاج النفسي العلمييّن بشكل جيد في التعبير عن أنفسهم بطريقة مفهومة بالنسبة للجمهور الواسع. ولو كان هناك وعي حول ماهية إمكانات المساعدة المتوفرة في الوقت الراهن للذين يعانون نفسياً والتي يتم حجبها لعدم استناد الإمداد العلاجي النفسي  إلى حد كبير إلى الفوائد المبرهنة لطرق العلاج، وإنما إلى مصالح الطوائف العلاجية النفسية المختلفة لربما شعر كثيرون أن هذه الحالة الراهنة غير محتملة، مما يقود إلى قيام جماعة ناقدة تضغط من أجل التعديل.

وعندما يتحقق ذلك فإن الجهود التي بذلناها في إنجاز هذا الكتاب[2] ستكون قد أثمرت. لقد عملنا 13 سنة بشكل مكثف على تحليل النتائج الفعلية في مجال العلاج النفسي بأقصى قدر ممكن من الدقة والموضوعية وعلى إعدادها بحيث يستطيع حتى غير الباحث في العلاج النفسي أن يشكل صورة متمايزة وواضحة قدر الإمكان عن المستوى الفعلي لنتائج الطرق العلاجية المختلفة. أما إلى أي مدى وفقنا في ذلك فسنترك ذلك لحكم القراء. ولابد لنا من تحمل المسؤولية عن نقاط الضعف والغموض في نتائج عملنا، إذ أنه على الرغم من أننا طمحنا نحو الكمال، غير أننا وجدنا أنفسنا دائماً مواجهين بحقيقة أننا بشر. ولم يكن ممكناً لنا أكثر من ذلك.

ولم يكن بالإمكان أبداً أن نقدم – نحن المؤلفون الثلاثة- تقرير نتائج مشروع بحث طويل ومكلف بشكل غير اعتيادي لولا أننا امتلكنا خلال فترة طويلة من المشروع دعماً كفواً و دؤوباً من عدد كبير من المتخصصين، الذين تركوا المشروع قبل البدء الفعلي في كتابة هذا الكتاب ليتولوا مهمات أخرى كمتخصصين نفسيين.

 كان من الواجب أن يصدر هذا الكتاب في وقت أبكر من ذلك بكثير، وكنا قد أعلنا عنه في مراحل مختلفة من عملنا تحت عناوين عدة. فقد خططنا لأن يكون الكتاب في جزأين تحت عنوان " فاعلية العلاج النفسي Handbook of psychological Indications ". غير أن هذه الفكرة الكبيرة قد ضمرت إلى "جرد للعلاج النفسي" ولكنها لم تبدو لنا حصيفة كفاية، أما عنوان "العلاج النفسي على المحك" فكان سيغدو أكثر إثارة، غير أنه لن يعكس ما كنا نهتم به بالدرجة الأولى. فنحن لم نهدف أبداً إلى إعطاء علامات أو درجات، بل نريد أن ندفع العلاج النفسي نحو الأمام، كعلم وكخدمة اجتماعية تمارس وفق معايير نوعية مهنية. فاستنتاج ماهيته يهدف إلى التعرف إلى المكان الذي توجد فيه الأهداف الواعدة للتطور المستقبلي. واهتمامنا منصب على علاج نفسي أفضل، علاج نفسي يحقق  أكبر قدر ممكن من إمكاناته التي نرى أنها كامنة فيه.

إننا نعرف، وخبرنا بما فيه  الكفاية، أننا من خلال هذا الهدف سنقع في صراع مع المعالجين النفسيين الذين سيشعرون بما يتهدد قناعاتهم أو مصالحهم أو كليهما معاً من خلال النتائج التي وجدناها ومن خلال استنتاجاتنا التي استخلصناها من ذلك. غير أنه لا بد من هذا الصراع على ما يبدو. فقد أبدينا ملاحظات واخزة حول كثير من النقاط في هذا الكتاب وسنحصد كذلك معارضة واخزة. وكلاهما موضوع واحد.

غير أن كتابنا يتضمن كذلك تقارير نتائج علمية مفصلة نطرحها هنا للنقاش العلمي المتخصص. وحتى بالاستناد إلى تقارير النتائج هذه لا يمكننا توقع إجماع في التأييد. غير أنه من الطبيعي أن تكون هذه الانتقادات العلمية موضوعاً آخر. إننا نتمنى أن تتجرد النقاشات العلمية لدراساتنا ونتائجنا عن صراعات المصالح والقناعات، التي أثرناها من خلال ملاحظاتنا الواخزة حول واقع التأهيل العلاجي النفسي ونظام الإمداد الراهن. ونحن بدورنا سنسعى إلى فصل كلا المستويين عن بعضهما.

و نحن لا نأمل بالطبع أن يثير كتابنا الاعتراضات فقط وإنما نأمل أن يحظى بأكبر قدر ممكن من الاهتمام الإيجابي، إذ لا يمكن لنا تحقيق هدفنا الذي وضعناه نصب أعيننا، والمتمثل في الوصول معاً إلى علاج نفسي عام على مستوى عال يمارس مهنياً وفق مستوى مرتفع من النوعية، إلا بشكل جماعي.

وبكتابة هذه السطور الأخيرة من الكتاب يكون قد تحقق أحد الأهداف التي وضعناها منذ زمن بعيد نصب أعيننا: أخيراً عدنا لأسرنا وأزواجنا.

ولكننا قبل أن نرجع إلى نسائنا ورجالنا وأولادنا وبناتنا الذين نحبهم، لا بد لنا وأن نعترف بنوع من الفشل: لم نستطع صياغة الجنس القواعدي للفاعل والمفعول في جملنا بشكل يتفق مع الجنس البيولوجي للأشخاص والمواضيع التي كنا نقصدها. وكان تحقيق الاقتراحات القائمة الآن في وضع صيغة حيادية للجنس في كتاب ضخم كهذا سيغدو مزهقاً للأعصاب. وعلى الرغم من أن النساء كن الغالبات في فريق عملنا فقد استخدمنا دائماً للتبسيط صيغة المذكر عندما كان المقصود بالفاعلين والمفعول بهم في جملنا الرجال والنساء معاً.

فهل كان غوته يقصد كمال النساء فقط، عندما اختار في صياغة إحدى كلماته صيغة قواعدية مؤنثة؟

وماذا عن النقص ؟ أسئلة تلو أخرى، أخيراً نستطيع الآن الاهتمام بها.

 

كلاوس غراوة

روث دوناتي

فريدريكة بيرناور


 

It’s been a hard days night

And I’ve been working like a dog….

 Beatles

 

 


[1] الغورو المرشد الروحي وكانت في الهند القديمة تعني المعلم البراهماتي الذي يرشد مريديه الأتقياء إلى طريق المعرفة بالكتابات المقدسة

( المترجم)

 

[2] نلفت نظر القارئ الكريم إلى أن عدد صفحات الكتاب في اللغة الألمانية 885 صفحة.