المدخل إلى المعالجة النفسية التفاعلية الدينامية: طرائق العلاج الفردي

المدخل إلى المعالجة النفسية التفاعلية الدينامية: طرائق العلاج الفردي

من  الكتاب

ليس مصادفة أن تكون المعالجة النفسية القصيرة في أشكالها المختلفة هي الطريقة الأكثر استخداماً في الممارسة العملية. ويرجع سبب ذلك إما إلى كونها تستخدم أهم التقنيات المعروفة اليوم أو أنها قابلة للتكامل مع هذه التقنيات. وبناء على ذلك فهي طريقة أساسية في العلاج النفسي يستعين بمنظورها التكاملي المعالجون السلوكيون والاستعرافيون والمعالجون المتمركزون حول المتعالج، تماماً مثلما هو الحال لدى المعالجين النفسيين الديناميين حيث يستعينون بالتقنيات العلاجية السلوكية والاستعرافية وتقنيات المعالجة النفسية المتمركز حول المتعالج أو المعالجة النفسية بالمحادثة كما تسمى في ألمانيا. وهو أمر يتضح في أكثر من موقع في هذا الكتاب.

ومما لاشك فيه فإن جذور الطريقة الدينامية التفاعلية ترجع إلى التحليل النفسي، نظرية وممارسة. ومع ذلك فإن الأسس النظرية التي يتم العمل وفقها اليوم لا تستند إلا على وحدات أساسية قليلة من الاتجاهات النفسية الدينامية، وتستند أكثر إلى أطر علم نفس الشخصية ذات الاتجاه الإجرائي وعلم النفس العيادي أو الطبي القائم على أسس علم نفس الشخصية إضافة إلى الفروع الأساسية الأخرى.

ويتطلب البحث والتأهيل والممارسة العملية أساساً نظرياً والوضوح وقابلية الإستراتيجيات العلاجية الأساسية للضبط. ومن هنا يسعى المؤلف إلى تحقيق الأهداف التالية:

-1     تقديم وصف مختصر وواضح للأسس الأساسية والمهمة للعمل العلاجي.

-2     عرض كيفية التعامل مع هذه الأسس والإستراتيجيات والتقنيات في إطار نموذج تفاعلي أو عملياتي.

-3     جعل طرائق التأهيل وضبط العملية ممكنة الاستخدام على أساس كونها تشكل دعماً للضبط الذاتي للمعالج ووسائل للتأهيل والتدريب.

واستناداً إلى هذا الهدف فقد قسمنا هذا الكتاب إلى فصول خمسة وملحق.

ويعرض الفصل الأول تحديداً للعلاج النفسي والإطار النظري للأساس العلمي الذي سنتبعه في هذا الكتاب. أما المصطلحات النظرية الأساسية التي توضح هذا الأساس فقد عرضناها في الملحق تحت عنوان فهرس المصطلحات للمساعدة عند الحاجة.

ويهدف الفصل الثاني إلى توضيح المنظور الأساسي الدينامي التفاعلي الذي نصوغه هنا بالعبارة التالية: «مفهوم العملية العلاجية بوصفها حدث تتشكل فيه نوعية التعاون العلاجي المركب الأساسي».

أما الفصل الثالث فقد تم فيه وصف إستراتيجيات عيادية تشخيصية و«تقنيات التحديد» الشخصية للمجريات العلاجية وعرض بعض أدوات الضبط المبرهنة. وتتمثل هذه التقنيات في:

-1     أداة لتوضيح تشكيلة التفاعل (عرض لأنماط التشكيلات Configuration بوساطة بروفيلات متعددة الأبعاد للكفاءة والتكافؤ).

-2     مقياس لتحديد دوافع العلاج عند المتعالج.

-3     مقياس لتوضيح التباعد الانفعالي بين المتعالج والمعالج.

-4     مقياس لجعل توزع القلق الموجود في العلاقة العلاجية قابلاً للقياس الموضوعي.

ويقدم الفصل الرابع عرضاً لإستراتيجيات وتقنيات يتم بمساعدتها تشكيل البنى الفاعلة لعلاقة المعالج والمتعالج. وقد قمنا هنا بالقياس من خلال التقسيم الهرمي لمستويات الكفاءة العلاجية. أما الإستراتيجيات التواصلية فقد عرضناها استناداً إلى وظيفتها. كما يتضمن هذا الفصل عرضاً لإستراتيجيات بناء العلاقة والدعم والتكامل وتعديل أشكال التفاعل وإستراتيجيات تنمية الاستبصار.

ويهدف الفصل الخامس إلى توضيح أسلوب وطريقة استخدام التوجهات وقواعد العمل المذكورة في الفصول الثلاثة الأولى في كل مرحلة من مراحل السيرورة العملية. ويتضمن نموذج مجرى عملية التفاعل خمسة أطوار، في كل طور منها إستراتيجية محددة طبقاً لوظيفة المعالج في كل طور.

أما الملحق فهو عبارة عن مسرد فيه شرح للمصطلحات الأساسية التي يمكن أن يشكل شرحها داخل الفصل إلى إعاقة القراءة المسهبة. وقد قمنا بعرض المفاهيم بترتيب أبجدي.

ويسعى الكتاب أن يحقق وظيفة التوجيه للعمل العلاجي، ويمكن اعتباره «توجه علاجي مدعوم نظرياً» وليس العكس.

ويهدف النموذج التفاعلي المعروض هنا للمساعدة  كدليل ينير الطرق في متاهة العملية العلاجية شديدة التعقيد. ولكننا نكون مخطئين إذا تصورنا أن وظيفة المرشد أو الدليل تتمثل في تبسيط متاهة العلاج النفسي.

ويمكن تصور تقدم معالجة نفسية ما من خلال المراقبة من نقطة عالية مهمتها دمج الحدث في شكل شديد التركيب أو التعقيد ومجرد يسير متتبعاً خيطاً وحيدا.

أما في خبرة المعالج والمتعالج، أو حتى من وجهة نظر المراقب الخارجي كذلك، فإن الطريق غالباً ما يقود إلى الاتجاه المعاكس أو إلى طرق مسدودة أو يدور حول نفسه في دوائر، وقد يتوه على المستويات المتعددة ويمضي في اتجاه مختلف. إضافة إلى هذا يمثل المضي معاً للمعالج والمتعالج في جزء من هذا «الضياع» سمة أساسية من سمات التواصل العلاجي. وقد لا يستطيع الدليل أن يوفر على المعالج مشاعر الإحباط واليأس وعدم الأمان التي يمر بها والتي تعتبر جزءاً أساسياً من مهمته العلاجية، إلا أنه يمكن أن يشجعه على الإصرار على تجاوز هذا المشاعر ليتمكن من مساعدة المتعالج.

كما يهدف هذا الكتاب إلى مساعدة الباحثين الذين يتعاملون مع أبحاث العملية والفاعلية العلاجية على القيام بوصف أفضل للموقف العلاجي ولأسلوبهم الخاص وجعله موضوعياً قابلاً للقياس.

ولابد لمن يتبنى هذه الطريقة بشكل علمي أن يتأكد من أنه يستخدمها بالفعل، ويتضمن ذلك الضبط الذاتي المستمر والإقرار بقابلية السلوك العلاجي للمعالج للاختبار البعدي من الآخرين.

وتقدم الإجراءات الموضوعية أو الوسائل المعروضة هنا للتشخيص المرافق للعملية  أساساً للعلانية (السببية) المطلوبة ولضبط الممارسة العلاجية.

وأخيراً نشير إلى أن الكتاب قد كتب من أجل دعم التأهيل أو الإشراف الذاتي من قبل مشرف خبير. فالمرشح ومشرفه يستطيعان استخدام المبادئ والتقنيات ووسائل ضبط العملية المعروضة في هذا الكتاب.

من الفصل الأول
ما هو العلاج النفسي

 

-1  إشكالية التعريف

          هناك أسباب متعددة توجب ضرورة القيام بتحديد أدق لمفهوم العلاج النفسي. فهناك فروق بين مصطلح العلاج والعلاج النفسي ينبغي توضيحها.

          فمصطلح «علاج Therapy» عبارة عن مصطلح طبي بالأساس ويقصد من وراءه مجموعة من الإجراءات ضمن إطار الطب، أما مبدأ العلاج النفسي Psychotherapy  فيقوم على قوانين عامة للنمو الإنساني والدعم الاجتماعي وبناء العلاقات البين إنسانية. ومن هنا لابد من وضع الحدود بين العلاج النفسي وبين أساليب التأثير أو التدخل التي لا تبتغي أهدافاً علاجية نفسية. فهناك فرق. ولكننا علينا تقبل وجود منطقة عبور واسعة بين الإرشاد والعلاج النفسي وبين العلاج النفسي والطب النفسي. كما أن الفجوة بين العلاج النفسي وتحسين الكفاءات الاجتماعية أو الوقاية ضيقة بحق.

          والعلاج النفسي بعيد كل البعد عن أولئك الذين يستخدمون وسائل تأثير العلاج النفسي بهدف الإبقاء على الناس متعلقين بهم لاستغلالهم من خلال الخداع والوعود الكاذبة وتمثيل دور المبشرين المغمورين. وهنا لا بد من تحديد تصويرة Schema مناسبة للإنسان والعالم.

          ولا يتوفر حتى الآن تحديد مقبول من كل الأطراف لجوهر العلاج النفسي، إلا أنه يوجد اتفاق عام في المراجع حول السمات العامة للعلاج النفسي[1]:

-1     العلاج النفسي عبارة عن إجراء مخطط وموجه يهدف إلى التعديل. (كي يتم تمييزه هنا عن التصرفات العفوية في الحياة اليومية).

-2     يجب النظر إلى هذه الإجراءات في سياق الاضطرابات السلوكية وحالات المعاناة والإعاقات النفسية والأمراض النفسية التي تعد بحاجة للعلاج.

-3     من أجل إحداث تعديلات علاجية معينة يتم استخدام إجراءات علاجية نفسية. أي يتم استخدام طرق تعامل ترتكز على مجالي الخبرة والسلوك (وهذا التحديد يهدف إلى تمييز إجراءات العلاج النفسي عن الإجراءات الجسدية والدوائية والجراحية أو الإجراءات الاجتماعية والقانونية والدينية أو الإدارية).

-4     يقوم بالعلاج النفسي أشخاص مؤهلون في العلاج النفسي، أي مساعدون محترفون (للتمييز هنا عن أشكال المساعدة التي يقدمها الأهل أو الأصدقاء أو الجيران… الخ).

-5     العلاج النفسي عبارة عن عملية Process تقوم على أساس نظري فيما يتعلق بتحديد الهدف والتخطيط وتنفيذ الإجراءات وفيما يتعلق بالمتعالجين، أي يقوم على نظريات حول الخبرة والسلوك السليمين/ السويين والمريضين/ المتضررين، وحول الشخص (المتعالج) والمعالج وحول تفاعلهما مع بعضهما.

-6     يجب أن يكون العلاج النفسي قابلاً للاختبار التجريبي وبشكل خاص فيما يتعلق بفاعليته، بهدف تحقيق مطلب العلمية ومن أجل تمييزه عن الطرق الدينية والشفاءات السحرية والمساعدات الأخرى.

-2   محاولة للتعريف

          تتصف التحديدات المعروضة في النقطة السابقة بالعمومية فيما يتعلق بالأسس النظرية. فإذا أردنا أن تكون العلاقة بين النظرية والممارسة العلاجية أكثر وضوحاً فلابد من عرض بعض التصورات حول مفهوم الإنسان الذي تقوم المعالجة على أساسه وحول بعض العوامل الافتراضية المؤثرة وحول الفرضيات المتعلقة بطبيعة العملية العلاجية النفسية.

          ويحاول التعريف المقترح هنا للعلاج النفسي تحديد إطار للمناقشة العلاجية النظرية الضرورية.

          يحقق العلاج النفسي بصفته مبدأ معالجة، التأثير النفسي الهادف على العوامل التي تؤثر على علاقة الفرد بمحيطه ضمن شروط معيارية بهدف تحسين العوامل الذاتية، الجسدية والنفسية والاجتماعية، للفرد كي يتمكن من إدارة ظروف حياته بصورة بفاعلية.

        ويشمل هذا التعريف العناصر التالية:

-1     يقوم العلاج النفسي على شروط معيارية باعتباره ميدان تقني يمارس ضمن إطار العيادة النفسية باستخدام تقنيات ووسائل نفسية.

-2     لا يدعي العلاج النفسي لنفسه دوراً خاصاً مقابل الفروع الأخرى فيما يتعلق بمفهوم الإنسان والمعايير الأخلاقية ومفهوم المرض والصحة ونظريات النشوء المرضي. إلا أنه يهتم بشكل خاص على أساس من مظهره الضمني، المنمي للشخصية، بتفسير علاقة الفرد بالمجتمع.

-3     أما الجزء الثاني من التعريف فيتعلق بمطلب التأثير النفسي المنهجي. ويتضمن هذا وجود تصورات حول التأثيرات العلاجية النفسية قائمة على أسس علمية وقابلة للاختبار ووجود طريقة للقيام بالعلاج، أي وجود نظرية علاجية أو على الأقل وجود نموذج عملية Process model .

-4     أما حقيقة أن الأمر يتعلق بتأثير نفسي فهي تشير إلى قانونيات عمليات التأثير البين شخصية والبين نفسية والاجتماعية التي تخضع لها كل طرق العلاج النفسي. ويقوم العلاج النفسي بتسخير المستوى النفسي الاجتماعي باعتباره مدخلاً للموضوع. وهنا تكمن السمة الأساسية الفارقة عن مبادئ العلاج الأخرى. فالعلاج النفسي يقوم على تصورات حول تأثير التواصل والتعاون العلاجي. وقبل التوسع في هذا المظهر لا بد من تقديم بعض التصورات الأساسية حول الطبيعة الاجتماعية للتأثيرات العلاجية، وهنا ننتقل إلى النقطة التالية من التعريف.

-5     يقوم العلاج النفسي على التأثير على العوامل المؤثرة على علاقة الفرد بالمحيط: ويحدد هذا الأسلوب الذي يتم فيه إيصال التأثير النفسي للمتعالج. ولا يوجد اليوم أي شك بالعلاقة التفاعلية بين الإنسان وبيئته. فالتعديلات العلاجية من هذا المنظور تعديلات شاملة للمستويات البيولوجية والنفسية والاجتماعية.

          إن التأثير المُعَدِّل للشخص الذي يسعى العلاج النفسي إليه يتحدد من خلال نشاط الفرد في مجرى التنشئة الاجتماعية، ذلك أن التأثير النفسي العلاجي يحدد حالة خاصة من التعديل لها وجهان: الأول متمركز على الشخص والثاني على الموضوع. ومن ثم فهو تعديل موجه إلى منظومة الشخص والمحيط. ويتم استخدام الحدث العلاجي كموقع يتم فيه اكتساب خبرات تشبه الخبرات التي يكتسبها الفرد في إطار بينة اجتماعية تحتوي على طاقات نمائية. ومن هنا فإنه يمكن النظر للتفاعل العلاجي على أنه حدث تسهم فيه الإجراءات العلاجية في بناء علاقة مشحونة بالتعديلات للفرد ومحيطه الاجتماعي.

          وفي العلاج النفسي تتم مقاربة البنى الشخصية أو التنظيمات الفردية لإمكانات السلوك مع البنى الموضوعية أي مع الواقع الاجتماعي الذي يعيش الشخص فيه، بحيث تقترب معطيات الموضوع الفردية والموضوعية الموجودة من بعضها بعضاَ. وهذا لا يعني أنه ينبغي تحقيق التكيف الواضح بين الفرد ومحيطه، بل المقصود هنا أن تصبح معطيات الموضوع عند الشخص أكثر واقعية وأن يبني الفرد الواقع الداخلي والخارجي بصورة أفضل، أي أن يدركه بصورة أكثر واقعية ويسيطر عليه ويبني على هذا الأساس دوافع سلوكية جديدة.

          فالفعالية العلاجية تتمثل في قيادة عملية التوازن هذه . وتقود هذه الرؤية بشكل حتمي إلى الفكرة القائلة: إن البنية الشخصية للمعالج والمتعالج في علاقتهما بالواقع، أي في مرجعية الشخصية المعنية حول المواضيع العلاجية الأساسية تسيطر على هذه العملية. فمن خلال شكل ومحتوى هذا التفاعل يتحدد إذاً التطابق والاختلاف بالنسبة للموضوع، النابع بالدرجة الأولى من المتطلبات المباشرة للموقف العلاجي. وتتجلى الكفاءة العلاجية عموماً في تنظيم علاقة الشخص- الشخص على هذا الشكل باعتبارها شكلاً خاصاً من العلاقة المتنامية بين الشخص والمحيط. ويتضمن هذا الأمر القدرة على بناء الطبيعة المطلبية للموقف العلاجي بصورة ملائمة من ناحية وبناء أطر الموضوع لهذا الواقع الناشئ من جهة أخرى. وبهذا يتحول مجال الفعل العلاجي إلى مكان تتم فيه مواجهة مهمة مباشرة، أي إدراك المتطلبات بصورة واقعية والقيام بالتصرف بشكل منتظم، بحيث يتم تعديل تركيبة المرضية للمتطلبات والمواجهة المعيقة للعلاج.

          وبهذا فإن الأولوية تكون لما يتم بناؤه في علاقة المعالج بالمتعالج. فبنية التفاعل العلاجية، أو علاقة المعالج بالمتعالج عبارة عن تعبير عن الأسلوب الذي يتم فيه حل المشكلات (مستوى ضبط الذات ومستوى ضبط المحيط).

          فإذا نظرنا للتفاعل العلاجي من هذا المنظور يصبح مدى الصلة التكاملية– التي تمثل بنية التفاعل العلاجي- عبارة عن متغيرات للعملية العلاجية دون التقليل من أهمية سمات المحتوى والسمات المتعلقة بالفرد. وتكون النتيجة هرم من إمكانات فهم العملية وتطويرها، أنظر الفصل الثالث الفقرة 4-2.

-6     يحسن العلاج النفسي الظروف الذاتية للفرد التي تتيح له الإدارة الفاعلة لظروفه الحياتية.

          والمقصود بهذا الجزء الأخير من التعريف المواضيع وأهداف العلاج النفسي فقط. أما المقصود بالظروف الذاتية للفرد فهو عناصر كفاءات التصرف العضوية والاجتماعية والنفسية للشخصية. فالعلاج النفسي في النهاية لا يتمركز على ما هو «نفسي» فقط. فكل اضطراب ينشأ في سياق اجتماعي تفاعلي. والحوادث الاجتماعية تؤثر على الحوادث البيولوجية (ما يسمى بالأثر التهدمي الاجتماعي المنشأ) كما أن العمليات البيولوجية تؤثر على السلوك الاجتماعي (ما يسمى مظهر الارتقاء الجسدي المنشأ). وحسب نوع الاضطراب فإننا نلاحظ الإمكانات التالية:

-1     إن شكل التفاعل الاجتماعي ذاته هو المحدد الأساس للاضطرابات (مظهر الانحطاط الاجتماعي المنشأ).

-2     تحدد العمليات البيولوجية، بغض النظر عن شكل تجليها أشكال التفاعل الاجتماعي (مظهر الارتقاء الجسدي المنشأ).

-3     التوازن النسبي لكلا المبدأين المحددين مع تقوية متبادلة متطابقة.

          وبغض النظر عن اتجاه المنشأ الأساس فإن اضطرابات مستويات العملية الدنيا يمكن التأثير عليها من خلال المستويات الأعلى. مثال ذلك التأثير على حدث جسدي مؤلم من خلال العلاج النفسي أو العكس، أي التأثير الدوائي على السلوك الاجتماعي. والتواصل العلاجي عبارة عن عملية بناء بنى ذات تأثير نوعي.

          أما جملة إن العلاج النفسي يهدف إلى تحسين شروط أو ظروف الفرد من أجل إدارة حياته بشكل أفضل فهي لا تحدد خصوصية من خصائص العلاج النفسي. وهنا يستخدم مقياس معياري لمفهوم الصحة والمرض، ألا وهو مقياس موقع الفرد كمدخل للأساس الفلسفي العام بالنسبة للهدف العلاجي. وتعبر وظيفة الفرد الذاتية التي تتجلى في القدرة على ضبط وتشكيل ظروف الحياة والنشاطات الذاتية، أي درجة الحرية الفردية المتاحة، عن القيمة الثقافية الأعلى للمجتمع. وهي تشكل الأساس لكل تقدم اجتماعي فردي. إلا أن الصيغة الممكنة من الناحية النمائية والمسموح بها ثقافياً لممارسة وظيفة الفرد تمثل أيضاً المقياس المعياري الجوهري لتقدير حالة فردية ما من خلال أن وجود هذا المعيار يعني الصحة وتقييده يعني المرض.

          ويرتبط بهذا التحديد للوظيفة العامة للعلاج في حالة العلاج النفسي مجموعة من المتطلبات المباشرة في النظرية والتطبيق. وتتعلق هذه المتطلبات بنموذج مرض مطابق لأحد هذه الأهداف، ونظرية مناسبة للشخصية والعلاج. وفيما يتعلق بالتفاهم العام حول العملية العلاجية يبقى لنا أن ندرك أن مفهوم العلاج النفسي في إطار المنظور المشروح يقوم فقط على تلك المفاهيم أو التصورات التي تنظر إلى شفاء الفرد والتحكم بالذات من قبل الفرد بشكل علائقي تصمم مشكلة توزيع السلطة وممارستها في مجرى عملية العلاج بوضوح بحيث أن نهاية العلاج تتحدد من خلال فقدان سلطة المعالج والشفاء في الوقت نفسه.