العلاج والإرشاد النفسي الأسري -المنظومي

العلاج والإرشاد النفسي الأسري -المنظومي

من الكتاب

 

كلما ضغطت  بشدة أكثر، ردت المنظومة بشكل أقوى.

بيتير زينغ Peter Seng

(مقتبس عن Willke, 1994, P. 183)

 

 

توجد أربعة واجبات حيادية ذات أهمية كبيرة بالنسبة لموقف العمل العلاجي في العلاج النفسي المنظومي:

  1. حيادية-البناء Construct-Neutrality
  2. حيادية-التعديل
  3. حيادية-العلاقة
  4. حيادية-الطرق.
  1. حيادية البناء: عدم احترام الملاحظ العلاجي

عندما يؤخذ تفسير الواقع لدى المتعالج بجدية و احترام، فإن هذا يتضمن كذلك كمرشد مسافة خاصة عن التفسير الذاتي للواقع (فرضيات، أفكار، معتقدات...الخ). ومن أجل تحقيق هذه المسافة عن  المعتقدات الخاصة ينصح بنوع من عدم الاحترام تجاهها.  وبما أن كل إنسان بالمعنى الإيركسوني عبارة عن فرد، أي وحدة كونية ثقافية فريدة من نوعها، فلا يمكن لأي ملاحظ خارجي أن يحدد ما هو الجيد والمفيد لشخص آخر.

وفي رسالة لنابليون بونابرت لجوزفين عبر فيها عن تفسيره الخاص للواقع حول الروائح الجنسية، بأن كتب لها":لا تستحمي، فسوف آت خلال أيام عدة" (اقتباس عن هوفنر، Hofner, 1995P P:68). فلو أصر مرشد ما على أن تصوراته حول الروائح المرغوبة، التي تنشر عبيرها عندما تكون مغسولة و معطرة حديثاً، هي وحدها الصحيحة، فسوف يحدث تصعيد سريع متساوق بين المرشد و المتعالج و إلى قطع  الإرشاد في النهاية –بحق.

"من أجل تجنب أخطار فرط التبسيط لمفهوم  الحيادية أقترح أن نصف الحيادية  بوصفها ابتكار لحالة من الفضول من جانب المعالج. ويقود الفضول إلى استقصاء واختراع رؤى بديلة و حركات، ومن جهتها تُنتج الحركات المختلفة والرؤى الفضول. والحيادية والفضول يندمجان ببعضهما البعض بطريقة دائرية في سياق ينتج الفروق دون أن يتخذ وضعية محددة في الوقت نفسه". (Cecchin  مقتبس عن Anderson, 1991,P:64).

  1. حيادية- التعديل

بما أن العلاج قد يكون أسوأ من المشكلة نفسها، فإنه ينصح في البداية اتخاذ وضعية حيادية فيما يتعلق بضرورة تعديل ما، وذلك بغض النظر عن الشدة المُدَّرَكة "للاضطراب" أو للعرض أو للمشكلة.

ولا بد من حيث المبدأ: لا ينبغي لشيء أن يتغير.

ملاحظة: لا أهتم بعمليات التعديل إلا عندما  أحصل كمرشد على تفويض واضح. فإذا لم يتم إعطائي مثل هذا التفويض، فإني اتخذ الموقف القائل: ما الذي يهمني؟ لا شيء. ومع ذلك: وحتى لم يتم التفويض، فإن واجبي الأخلاقي يحتم علي السعي نحو الحصول على هذا التفويض. إلا أنه في أنماط معينة من السلوك  كالتهديد بالانتحار، أو العنف لا أحتاج إلى تفويض لفظي واضح، إذ أن نمط السلوك الملموس نفسه يتضمن هنا تفويضي الخاص. وتتطلب مثل هذه التفويضات في العادة تعديلاً للسياق العلاجي إلى سياق للضبط الاجتماعي.

لاحظ: وحده من يغير نفسه يتغير. ويعني هذا الأمر عملياً، بأنه لا يوجد إنسان في العالم قادر على تغيير شخص آخر. ولا يوجد أي شخص يعرف بالتأكيد متى ولماذا متى يقبل شخص ما على تعديل. ويعد الاعتقاد بالقدرة على تغيير شخص ما واحداً من أكبر المصائد العلاجية و هو يقود إما إلى عالم من الهذيان أو مباشرة إلى نوع من الاحتراق Burn  outs.

وبمجرد أن أستنتج بأنني أشعر بالمسؤولية بأن المتعالج يتصرف بالشكل الذي أراه صحيحاً بالنسبة لي، وأضغط عليه فإنه سيتم إدراك ذلك على أنه تهديد للاستقلالية الذاتية من ناحية ومن ناحية أخرى فسوف أًعّتَبَر كمرشد متطاولاً بحق. فلو قلت لمتعالج أو متعالجة على سبيل المثال : "افهمي أخيراً واتركي زوجك العنيف أو توقف عن إرهاق نفسك باستمرار" فسوف أفقد على الفور حياديتي في التعديل. و بغض النظر عن فقدان حيادية التعديل تتضمن مثل تلك المطالب عجز المتعالج و تنمي التعلق بالمعالج. ومن ثم كلما كانت رغبتي أكبر بأن على المتعالج أن يتغير بالاتجاه الذي أفضله أنا، كان احتمال إعاقة التعديل أكبر.

 وعليه تسري القاعدة  التالية: إذا أردت أن تعيق التعديلات أو تصعِّبها، فحاول ممارسة الكثير من الضغط قدر الإمكان باتجاه الحل الذي تراه مفيداً بالنسبة لك.

  1. حيادية العلاقة: الانحياز كاتجاه علاجي

تم إدخال مفهوم الانحياز من بوتسورميني-ناجي Boszormeny-Nagy   و سبارك Spark  في العلاج الأسري و يعرَّف على أنه "الحرية الداخلية، بالتحيز لكل فرد من أفراد الأسرة الواحد تلو الآخر بمقدار ما يتطلبه تفهمه المتعاطف و أسلوبه الاستراتيجي"  (Boszormeny-Nagy/ Spark,1981;P:242). ويمكن القول بشكل عام أنه ينبغي على المرشد تقدير كل موجود بتفسيره لواقعه وخصوصيته وبشكل خاص قدراته. و ينبغي تقديم هذا المفهوم على الحيادية، ذلك أن الإنسان لا يستطيع ألا يقوِّم،  و لهذا السبب فإنه من الأسهل بكثير، تقدير وجهة نظر كل واحد بشكل فاعل.

    إلا أن الانحياز الذاتي لا يصبح مهدداً بشكل آلي، إذا ما غلب حديث المرشد مع فرد من أفراد الأسرة. بل أن المهم أكثر هو أن يشعر الآخرون بالاعتراف في أسلوبه و طريقة خبرتهم  النوعية. وفي الوقت نفسه فإن مشروع الانحياز عبارة عن مخاطرة غير ممكنة؛ إذ أنه لا يمكن للمرء أن يعدل على الإطلاق. ولهذا السبب فإنه من المهم التوقف والتساؤل، ما الذي علي فعله من أجل أن أفقد الحيادية/الانحياز بشكل مضمون؟ ما الذي تعتقدينه، كيف علي أن أتصرف حتى يفكر زوجك، الآن انقلبت إلى جانبك و يصبح غاضباً مني؟ و حسب الإجابة يمكنني التساؤل حول تأثيراتي على المشاركين في التفاعل و وأجد توجها فيما يتعلق بأسلوبي اللاحق. وهنا ينطبق أيضاً: المعلومات عبارة عن إنتاج الفروق (باطيسون Bateson). وهنا لا يبقى إلا السؤال متى سأعاني من مشكلات نتيجة هذا الاتجاه أو الطموح نحو الانحياز و ماهي تلك المشكلات.

و بما أن مشكلاتي في الإرشاد تقدم لي معلومات مهمة حول ما الذي علي حالياً أن أراعيه، من أجل تحقيق نتيجة إرشاد مثالية، يقود ذلك  للاتجاه المفيد المتمثل في: "يتم الترحيب بامتنان بكل مشكلة للمرشد و يتم استغلالها من أجل المجرى اللاحق للجلسة".

  وبما أنه لا يمكن للمرشد على الإطلاق أن يصل لا إلى انحياز ذاتي ولا بين ذاتي Inter subjective  و لاحتى موضوعي، فإن الانحياز كموقف علاجي لا يقود المرة تلو المرة إلا للتصويب نحو الجديد. إلا أنه فيما يتعلق بالتحيز  لا يمكن للمرء أن يعمل بشكل ماوراء تواصلي Meta communicative إلا من خلال الفروق مباشرة.

مثال: أجابتني سيدة بوصفي مرشداً في إطار علاج زواجي، بأني قد فهمت/اعترفت/بجلت...الخ زوجها بنسبة 30% فقط، وهي نفسها بنسبة 70%، فأنا عندئذ لن يكون عندي مشكلة لو شعر الزوج بأنه مفهوم بنسبة 70%. إلا أنه لو رأى كلاهما أنني فهمت الزوج بنسبة 70% وزوجته بنسبة 30% فقط فإني عندئذ سأعاني من خلال هذه المعلومات المُقَدِّرة للقيمة المهمة من مشكلة في منظومة الإرشاد، التي تمثل بالنسبة لأسلوبي اللاحق موجِّهاً للتصرف. عندئذ علي أن أتطرق للحالة المعوجة المحسوسة، وإلا أنا معرض لخطر إخفاق الإرشاد. وقد يفيد الآن السؤال عن الأثر، الذي يمتلكه مثل هذا النوع من الانحياز المدرك بالنسبة لمنظومة الإرشاد:

حيادية الطرق

تقوم حيادية الطرق على السؤال عن ماهية الطريقة العلاجية التي يفترض للمرشد استخدامها في الجلسة. و لايمكن للمعالج أن يقرر أبداً فيما إذا كان إجراء معين مفيداً أم لا. وينبغي للإرجاع المتعالج فقط أن يكون هو المحدد للطريقة  المستخدمة. وعندما لا يقود إجراء معين لما هو مرغوب، ينبغي أن يتخذ هذا كمعلومة مهمة و أن يتم اختيار أسلوب آخر.