العلاج النفسي الديناميكي قصير الأمد

العلاج النفسي الديناميكي قصير الأمد

مدخل

رابط التحميل:  www.4shared.com/office/fFSAm284/___online.html

    بداية قد يثير مفهوم "العلاج النفسي قصير الأمد" المستخدم في ميدان الاضطرابات النفسية الأولية والثانوية ذات القيمة المرضية السؤال، فيما إذا كان بالإمكان عموماً تحقيق تصحيح دائم  للصراعات ذات الشكل العصابي في وقت قصير.

    ومن البديهي أن تكون الإجابة عن هذا السؤال هي النفي. إلا أن العلاج النفسي  للتطورات المرضية يمكن في كل الأحوال أن "يمهد الطريق" وأن يجعل المريض يفهم الأسباب اللاشعورية، ويقربه من إمكانات تعديل اتجاهاته. أما إتمام هذا التصحيح فهو متروك للزمن. أما العلاج فهو يسعى نحو هذا التصحيح. ويؤيد مفهومنا للإنسان مثل هذه الفرضية. ذلك أن اتجاهات و توقعات وأنماط ردود أفعال الفرد تتشكل وتتبلور وتتثبت خلال الطفولة المبكرة بصورة خاصة، وفي المراهقة و ما بعدها أيضاً. ومن ثم فإن "إعادة تحويل" "بنية" تم اكتسابها بهذا الشكل من خلال عمل علاجي محدود الوقت يظل محض خيال.

    ومع ذلك فإنه مما لا شك فيه فإن تصميم أسلوب العلاج النفسي الدينامي قصير الأمد  مبرر منطقياً. فعندما يدرك المعالج حدود عمله فإنه يوفر على نفسه وعلى المريض خيبة الأمل و يحرك التعديلات المرغوبة بحذر. إنه سوف ينظر للفرد كعضو في مجموعة يفترض لها أن تيسر التحقيق طويل الأمد للتعديلات المرغوبة وتثبيتها. ومن أجل تحقيق هذا الهدف لا بد من أن يشرك الإطار المرجعي الاجتماعي المباشر للمريض. 


 

  1. مدخل تأريخي

    تم تطوير مفهوم "العلاج النفسي قصير الأمد" أو "العلاج قصير الأمد" في التحليل النفسي كمفهوم عام لوصف إجراءات نفسية علاجية مختلفة.  وكان تطوير العلاج النفسي قصير الأمد ضرورة ملحة في معقل التحليل النفسي. فالعلاج النفسي بالتحليل النفسي اليوم يحتاج إلى ألف جلسة أو أكثر و يستغرق في المتوسط 500 ساعة موزعة على مدة تتراوح بين ثلاثة إلى أربع سنين، في حين أنه يمكن للمعالج خلال هذا الوقت أن يعالج بين 20-30 مريض بالطريقة قصيرة الأمد.

    وكان هناك مجموعة من التطورات التي أكدت على ضرورة تطوير أسلوب ملائم من العلاج منها ضغط الحاجة للعلاج و النقص في عدد المعالجين المؤهلين و ضرورة البدء بالعلاج عند بدء الحدث العصابي الحاد لتجنب استفحال الاضطراب. وكان من البديهي أن تنبع المساهمات المهمة للعلاج قصير الأمد من المعالجين النفسيين العاملين في المستشفيات، حيث لم يكن العدد الكبير من المرضى المحتاجين للمساعدة يتيح استخدام التحليل النفسي طويل الأمد. ومن الأمثلة على ذلك نذكر بيك في مشفى جامعة باسل Basel و المجموعة البرلينية الباكرة بقيادة ألكسندر و هورني وشولتز-هينيكه، ومن مجموعة فينا  بيكر ورايتر  و مجموعة العمل اللندنية بالينت. هذا عدا عن الجانب الاقتصادي: فقد ذكر  بيلاك وسمال على سبيل المثال أن إدارة التجنيد قد وافقت في الوقت بعد العام 1945 على 3 أو أربع جلسات علاجية نفسية فقط، بحيث وجد الأطباء أنفسهم مجبرين على ملائمة مدة العلاج مع التقييد التأميني المفروض عليهم.

    كما أن بالينت قد اهتم بمطالب الطبيب العام وطور ما أطلق عليه تسمية "عشر دقائق من العلاج النفسي".

    وفي العقود الأخيرة تطور شكل خاص من العلاج قصير الأمد يتمثل في "التدخل في الأزمات" في سياق المساعي نحو تطوير نماذج علاجية باكرة و الوقاية من الأمراض والاضطرابات النفسية.

    ضرورة أخرى نبعت من الدراسات الجائجية (دراسات الانتشار) المتعلقة بالانتحار. فقد أكدت هذه الدراسات وجود فرق بين الانتحار Suicide و شبه الانتحار Para suicide. فكلا الشكلين يشكلان متلازمتين مختلفتين عن بعضهما تكمن خلفهما أهداف شديدة الاختلاف. فقد أثبتت مجموعة من الدراسات في هذا المجال من ناحية أن أعضاء مجموعة شبه الانتحاريين قلما يميلون إلى إتمام عملية الانتحار، ومن ناحية أخرى فقد تراكمت الدلائل على ارتفاع معدل نسبة الانتحار بين الذين كانوا قد حاولوا في حياتهم القيام بعمل شبه انتحاري. ومن هنا انبثقت ضرورة التدخل في الأزمات أو التأثير فيها.

2-تصور العلاج النفسي قصير الأمد

    تنبع مسلمات العلاج النفسي قصير الأمد عادة من المفهوم المعمول به حول الاضطرابات العصابية. فنحن نركز هنا على شدة الصراع النفسي الداخلي المتخفي، أي اللاشعوري بالأساس، بوصفه السمة الأساسية للاضطرابات العصابية للصحة مع الأخذ بعين الاعتبار أن طرق العلاج النفسي المختصر ليست هي التقنيات المستخدمة في علاج العصابات. والمعيار الفاصل هنا يتمثل في وجود صراع بين نفسي متخفي أو كامن Latent ، مع الإشارة إلى أنه ليس بالضرورة لهذا الصراع أن يرتبط بمعاناة ذات قيمة مرضية.

    ويمكن تبرير مجال الفاعلية (الاستطباب[1]) الواسعة هذا بأن الصراعات البين نفسية موجودة عند كل إنسان بدرجة شديدة أو قليلة الوضوح، ولهذا فهي على علاقة كبيرة إلى حد ما بالاضطرابات ذات القيمة المرضية. هذا بالإضافة إلى أن للأمراض الجسمية وجوه نفسية يعيشها المريض، ويفترض أن يتم تمثل هذه الأمراض نفسياً كذلك، وهو أمر يغلب أن يمنى بالفشل مما يستوجب ضرورة مواجهة التمثل الخطأ للمرض الجسدي بطريقة ملائمة، أي من خلال العلاج الروحي للمرضى. وفي هذا السياق لابد من التذكير بوجود وحدة جدلية بين النفسي والجسدي. فإذا اعتبرنا الأعراض النفسية والجسمية أنها ردود أفعال عضوية فسيقود ذلك بالضرورة إلى أن لردود الأفعال هذه وجه نفسي وآخر جسدي في الوقت نفسه. ولو أن التركيز يكون في مرة على هذا الجانب أكثر و في مرة أخرى على ذاك الجانب. ولعل تجاوز أو عدم رؤية هذه العلاقة قد قاد إلى صعوبة تحديد وقياس العلاقة الجسمية والنفسية .

    لقد فتحت طرق الإرجاع الحيوي البيولوجي Biofeedback-Methods  لتحديد العمليات النفسية الجسمية، وحتى المتخفية منها الطريق. ومن هذه الناحية يوجد أمل  -بغض النظر عن الرواج السريع للطب التقني  apparatus Medicineفي إعادة دمج المظهر النفسي في علم الأمراض الجسمية "الصرف" المغيب في الوقت الراهن عن الجانب النفسي كلية.

    تظهر اضطرابات الصحة ذات القيمة المرضية على شكل اضطرابات ذات شكل عصابي وأمراض جسمية نفسية عندما يفشل التعويض و والتكيف و عندما تخفق آليات الدفاع الأولية.

    ومن هنا فإنه عندما يتعلق ظهور اضطراب في الصحة على شكل مرض وظيفي بالمعنى الواسع أو على شكل تضرر عصابي أو مرض نفسي جسدي بكميّة شدة الصراع البين نفسي وليس بنوعية الصراع، فإنه لا بد من استخدام طرق العلاج النفسي قصير الأمد.

    وينبغي النظر للتوجيه الخارجي للمريض وتشجيعه على القيام بنشاطات ذاتية بوصفهما قطبان متناقضان من زاوية الطرق المستخدمة لحل الصراع. فالأسلوب القيادي من خلال المعالج قد يكون مدفوعاً بدافعين: الأول من التفضيل الشخصي ومن اعتبارات منطقية متعلقة بالمريض. والتوجه القائم على المريض يمكن تبريره ضمن شروط محددة على نحو التدخل في الأزمة، مع الأخذ يعين الاعتبار أن الحلول التي يتم تقديمها من الخارج تهدئ الميول المتناقضة الأعمق لفترة عابرة، إلا أنه لا يمكن دائماً منع ظهورها المقوى لاحقاً. ومقابل طرق التوجيه الخارجي هناك الطرق التي تهدف إلى تشجيع المريض للقيام بنشاطات ذاتية يتم من خلالها حل المشكلة.

 

    تجسد تصورات العلاج النفسي الدينامي أساليب العلاج المناسبة للتغلب على التنافرات المُنتِجة للتوتر ولصراعات الدوافع. ويهدف العلاج النفسي الدينامي إلى جعل العلاقات بين الصراعات الكامنة مدركة، ومن ثم يهدف إلى تحقيق شروط "النشاط الذاتي الحال للمشكلة". 

    ويمكن الاقتصار في النظر للصراعات على الرؤية العَرَضيَّة كما هو الحال في العلاج المتمركز حول المتعالج لروجرز أو يمكن لهذه الرؤية أن تتناول البعد الطولي حيث يتم الاهتمام بمعنى الحاضر من خلال الماضي. ويعد العلاج النفسي المتمركز حول المتعالج لكارل روجرز "تقنية محادثة نفسية". ويحدث الشفاء في هذا الأسلوب من خلال الاطلاع على حدة الصراع البين نفسي اللاشعوري بصورة قصيرة جداً. أما طرق الاسترخاء الذاتي والتنويم وخبرة الصورة بالتخيلKatathemes Bilderleben   وطرق أخرى فهي لا تصنف ضمن العلاج قصير الأمد، طالما لا تهدف إلى جعل الصراعات البين شخصية شعورية ولا إلى تمثلها العلاجي بصورة أساسية، بل يتم تصنيفها ضمن الطرق الذرائعية (البراغماتية).  

    تسعى أساليب العلاج النفسي الدينامي قصير الأمد بادئ ذي بدء إلى تحويل الصراعات المتخفية إلى صراعات شعورية واضحة، مع العلم أنه ينبغي على كل علاج نفسي دينامي قصير الأمد أن يقتصر على وجوه محدودة، سواء فيما يتعلق بتاريخ الحياة أو فيما يتعلق بتحويل الصراعات المتخفية إلى صراعات واضحة. ويهدف العلاج عندئذ إلى خفض الكف والمقاومة والتضيق.