الاكتئاب 1

10/08/2013 08:49

الاكتئاب

التعرف المبكر والعلاج

أ.د. سامر جميل رضوان

نصف الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب يتم تشخيصهم فقط، والربع منهم تتم معالجته بشكل هادف. كثير من المعنيين يجر معاناته معه و تتضرر نوعية حياته و ينخفض إنجازه في النهاية. عندئذ تظهر لديه أعراض وشكاوى مختلفة. تستمر هذه الشكاوى لفترة زمنية طويلة من دون أن تحدث أية استجابة، وعندما يتضح في النهاية أن أمراً ما قد يكمن خلف هذا الأمر عندئذ فإن عدد ضئيل جداً من المعنيين يحصل عندئذ على معالجة مناسبة. باختصار لليست الاكتئابات من أكثر الأمراض النفسية المثيرة للرعب فحسب وإنما هي عبارة عن عذاب غير لازم يمكن تجنبها من خلال الحد الأدنى من المعارف، أو على الأقل يمكن التخفيف منها أو اختصارها. فما الذي علينامعرفته؟

الاكتئاب ليس مجرد نوع من الحزن. بل على العكس. في البداية تكون الشكوى على الغالب من اضطرابات النوم و الشهية والمعدة والأمعاء و القلب و التنفس، ومن التوتر و آلام المفاصل و الظهر و آلام العضلات، قبل أن يقر المعنيون بوجود اضطرابات انتباه وتركيز وعدم استقرار داخلي و توتر و عدم القدرة على اتخاذ القرار و فقدان الاهتمام و اللامبالاة و فقدان الرغبة العامة و بشكل خاص فقدان القدرة على الفرح، وضعف غريب غير قابل للإزالة بأي طريقة، و شعور بالإنهاك أو الجهدة غير القابلة للتحديد كما هو الحال في الأنفلونزا ولكن من دون انفلونزا.

فما هي الأعراض المميزة الأكثر ملاحظة؟ 

يحاول العلماء باستمرار التحديد الإحصائي لأهم العلامات المرضية مستخلصاً إياها من عشرات الأعراض النفسية و النفسية الجسدية بشكل خاص (أي أن الأعراض النفسية تعبر عن نفسها على شكل أعراض جسدية من دون أسباب عضوية)، ناهيك عن العواقب النفسي الاجتماعية في الحياة اليومية، من أجل إعطاء الجمهور من خلال قوائم من الأسئلة فرصة للتعرف على الاكتئاب بصورة مبكرة من خلال أعراضها المميزة.

فقد سؤل أحد أشهر الأطباء النفسيين لماذا أنت بالتحديد أشهر طيبي عصبية و مؤلف الكثير من الكتب التعليمية و مديراً لمشفى و أستاذ جامعي لم تعرف أن لديك اكتئاب، فأجاب "لأني كنت مكتئباً".

فمن أكثر العلامات المرضية الأكثر المميزة والأكثر انتشاراً الأعراض التالية:

  1. المزاج الاكتئابي المتعكر بدرجة شاذة فيما يتعلق بالشدة والمدة.
  2. فقدان الاهتمامات والفرحة،
  3. انخفاض الدافعية و تعب شاذ،
  4. فقدان الثقة بالنفس و مشاعر القيمة الذاتية،
  5. اتهامات غير مبررة للذات،
  6. أفكار الموت، و كذلك أفكار الانتحار،
  7. اضطرابات تفكير وتركيز،
  8. اضطرابات حركية: أما حركات سلبية ضعيفة بلا طاقة أو حركات متوترة-بلا هدف.
  9. اضطرابات نوم.
  10. تغيرات واضحة في الشهية (غالباً فقدان الوزن، وجوع غريب).

ومن أكثر الهم الذي يتجلى في المجال الاجتماعي النفسي:

  • ضعف الإنجاز أو عدم القدرة على الإنجاز بمعنى عدم الاستطاعة، و عدم الإنجاز، والفشل.
  • مشاعر نقص و صغر بمعنى الشعور بأن الإنسان غير محبوب وغير مرغوب.
  • مسائل ذنب أو اتهامات للذات ولومها و الشعور بالذنب.
  • و الاعتقاد بأن الإنسان قد سبب كل هذا لنفسه.

أو بعبارة واحدة الانشغال الاكتئابي: "لا أستطيع شيئاً، أنا لا شيء، أنا غير مرغوب، وأنا السبب في كل هذا".

و يزداد الحكم المدمر على الذات صعوبة من خلال الاتجاه السلبي المميز لكثير من المكتئبين:

  • الاستسلام: لا يمكني تغير شيء في هذا،
  • اليأس: لن يكون هناك خيراً أبداً، على الأقل ليس لدي.

إلا أن هذا الجانب يمثل مركز ثقل المعاناة الذاتية "فقط"، أي ذلك الذي يشغل المريض على الأغلب، وما يعبر هو عنه. ألا أن الأمر المميز أيضاً العلامات المرضية الأخرى، والتي عليى المتخصص استقصاؤها أو السؤال عنها، لأنها لا تكون مدركة بالنسبة للمعنيين. ولهذا توجد أدلة من الأسئلة و بروشورات توضيحية تشير إلى مسائل أساسية محددة، والتي لا تضمن بذاتها دقة تشخيصية إلا أنها يمكن أن تعطينا مؤشراً ما. ومن هذه الأسئلة التي يمكنها أن تساعد في التعرف على الاكتئاب:

  • هل ما زلت تفرح؟ أم أنك أصبحت غير قادراً على الفرح، لم يعد هناك ولا أي حدث يفرحك، ولم تعد تستجب لأي شيء بشكل إيجابي؟
  • أتشعر بالعذاب، بالتعب، بالانحطاط، وكأنك مريض2 بشدة ولكن من دون سبب ملائم؟
  • أيصعب عليك مؤخراً اتخاذ القرارات، وحتى القرارات اليومية العادية؟
  • هل فقدت الاهتمام بأشياء كانت تعني لك شيئاً مهماً في السابق؟
  • هل تميل مؤخراً للتفكير بالمشكلات بشكل متزايد، حتى في الأمور التي لا أهمية لها؟
  • هل تشعر بالفتور والانحطاط المستمر و اليأس ز قلة الحيلة، مضغوط بالحزن، أو الكآبة التي لا تشعر بها على أنها انحطاط نفسي فحسب، وإنما "انحطاط جسدي" أيضاً؟
  • أتشعر بالتعب من دون دافع و من دون مبادرة، خائر القوى و حتى من دون أن تكون قد قمت بجهد قبل ذلك؟
  • أتشعر فجأة بالقلق كلية من دون وعي، أشعر بالنقص؟
  • أتقوم باتهام نفسك بشكل مبالغ فيه أو بلا أي سبب، أتشعر بأن لا قيمة لك، بأنك مذنب؟
  • أتفكر أو تتكلم أو تتحرك فجأة بشكل أبطأ من السابق  و أكثر تكاسلاً، غير واثق، خواف، متقلب، مضطرب الإرادة، متثاقلاً، ولم تعد تستطع القيام حتى بالأعمال الحياتية اليومية؟
  • لم تعد تستطع التركيز و تنسى كل شيء، و مبهوت حول "الفراغ في رأسك"، وربما قد تخشى حصول ضعف عقلي؟
  • لم تعد تستطع النوم: تعاني من صعوبة في الدخول في اليوم، نومك متقطع، صعوبة معذبة في الاستيقاظ في الصباح مع  هلع من اليوم الجديد؟
  • لم يعد لأي شيء طعم كما في السابق؟
  • هل فقدت الشهية ومن ثم الوزن؟
  • هل تعاني منذ بعض الوقت من مشكلات في الجانب الجنسي؟
  • أتشعر بشكل متكرر بمشاعر ضغط يصعب وصفها ومستمرة في المعدة، وأحاسيس إزعاج و أحياناً الألم وبشكل خاص في الرأس و الصدر و الظهر...الخ؟
  • هل تشعر على الأغلب بأن حياتك أصبحت بلا معنى؟
  • أتفكر مراراً بالموت و ربما بأن تفعل شيئاً في سبيل الموت؟

ومن بين هذه التضررات تبدو بعض الخصائص المميزة بشكل خاص منها:

  • فقدان الطاقة: حيث يبدو كل شيء بلا نهاية وصعب و مرهق.
  • اليأس: وبشكل خاص مخاوف المستقبل.
  • مشاعر اللاقيمة.
  • فقدان الاهتمام.
  • فقدان الفرحة.
  • الميل للانسحاب.
  • بطء التفكير أو صعوبته
  • تباطؤ الحركة.
  • الحزن أو الكآبة: كل شيء أسود.

ما الذي يمكن فعله

كثير من الناس يعتقدون بأنه لا يجوز لهم التدخل في شؤون الآخرين. وقد يكون لهذا التحفظ مبرراته الوجيهة، إلا أنه له حدوده التي يتوقف عندها عندما يصبح الآخر ضحية للمرض والتي لا يستطيع المعني التعرف عليه أو الاعتراف به-وهو أمر من طبيعة المرض-، وعندما يقع لأسابيع أو لأشهر أو سنوات تحت عذابه، و الذي لا يلحق الأذى والضرر به وحده فحسب وإنما بأصدقائه وأسرته و زملاء العمل، ناهيك عن الجانب الاقتصادي (إذ أن الأضرار الاقتصادية للاكتئاب توازي تلك التي تسببها أمراض القلب والدورة الدموية).

ومن حيث المبدأ فإن الأمر يتعلق هنا بمساعدة الشخص على التعرف على مرضه وفهمه و تقبله من جل تحريره منه من خلال العلاج السريع قدر الإمكان والهادف.

 

 

 

للخلف