هل العلاج النفسي مفيد فعلاً ؟

31/08/2016 21:14

هل العلاج النفسي مفيد فعلاً[1]؟

Juchen Paulus

ترجمة: أ.د. سامر جميل رضوان

متخصص في علم النفس الإكلينيكي  

من يبدأ بالعلاج النفسي فإنه غالباً ما يلقي على ذلك آمالاً كبيرة، يقوم المعالجون النفسيون بدورهم بتعزيزها له. إلا ن أنه هناك دراسات أحدث حول العلاج تقلل من التوقعات: فالعلاج النفسي فاعل-ولكن ليس بالدرجة التي كان يعتقد فيها حتى الآن.

إن من يراجع معالجاً نفسياً لابد وأن أن يتوقع التحسن السريع لمعاناته –فهذا ما يعد به ممثلو النقابة على أية حال، حيث تعلن غرفة المعالجين النفسيين الاتحادية على سبيل المثال: إن "العلاج النفسي فاعل" وتضيف إلى ذلك: إنه "كلما كان أطول كان أفضل". وكذلك تفخر إحدى المساهمات في مجلة "نيرفن آرتست[2] Nervenartzt"، من خلال تأكيد فريق المؤلفين العاملين مع البروفيسور أولرش شنايدر Ulrich Schneider من جامعة زيورخ: "يعد العلاج النفسي من أكثر الأساليب العلاجية فاعلية في الطب". فاليوم تتوفر "لكل صورة من صور الاضطرابات الطبية النفسية" براهين مسندة علمياً حول فاعلية العلاج.

غير أن إيميلي هولمز Emily Holmes من جامعة كامبردج وميشيل كراسك Michelle Craske من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس تريان أن مثل هذه التصريحات الواثقة والتي يتم ربطها بسرور مع المطالبة بمزيد من التمويل للتخصص شديدة التفاؤل للأسف، إذ تشير كلتا العالمتان النفسيتان المشهورتان في المجلة العلمية نتشر "Nature": إنه "بالنسبة لبعض الأمراض كالاضطرابات القطبية (التأرجح بين الهوس والاكتئاب: المحرر)، فإن العلاج النفسي غير فاعل أو مازال يحبو". و "في المخاوف والاضطرابات القهرية على سبيل المثال فإن العلاج بالمواجهة لا يفيد مع نصف المرضى المعالجين، وقلة لا بأس بها تنتكس". ولا يبدو الأمر في أمراض الإدمان بأفضل حالاً. فنصف الكحوليين المعالجين فقط يستمرون بالجفاف بعد سنة ونصف من الإقامة لأشهر عدة في مشفى ألماني للإدمان.

ويكاد الأمر يبعث على اليأس في الصراع ضد الوزن الزائد –أحد أكبر القتلة في البلدان الغنية، وبشكل متزايد في البلدان الفقيرة أيضاً. فبما أنه لا يمكن التقليل من الأرطال الخطيرة عملياً إلا بتعديلات تقييدية في السلوك – زيادة الرياضة والأكل الصحي-فإن الفرص من دون دعم نفسي ضئيلة. وعلى الرغم من أنه تم تسويق برامج التخسيس الأولى لعلماء نفس مشهورين في سبعينيات القرن العشرين بنجاح، إلا أنها قلما أثمرت عن شيء ما في الواقع. وقد علق كيللي بروانل Kelly Brwonel من جامعة ديوك بدورهام Duke University in Durham على إحدى المحاولات الأحدث بقوله لخبراء رواد: "لقد أُجبر فريق آخر من الباحثين الجيدين على الاستسلام أمام مشكلة استعصت ببساطة على العلاج".

ولعل ستيفين هولون Stevedn Hollon أفضل من لخص الوضع حيث يقول المتخصص المشهور بالاكتئاب من جامعة فاندربيلت Vanderbilt University: "العلاج النفسي فاعل، إلا أنه، وعند مراجعة المراجع المتخصصة فإنه لا يؤثر بشكل كاف بالدرجة التي يتمناها المرء". إذ أنه هناك تلاعب بما هو موجود في المراجع المتخصصة، وهو ما يريد هولن وكثير من العلماء الآخرين إثباته. فباحثو العلاجات النفسانية قد كذبوا، حيث قدم هولن أحدى إثباتاته حول ذلك بالتعاون مع إيلين دريسن وبيم سويجبيرس Ellen Driessen & Pim Cuijpers من جامعة أمستردام الحرة. فقد أراد الفريق معرفة، ما الذي نتج عن الخمس وخمسين دراسة حول العلاج المعرفي السلوكي للاكتئاب والتي تم تمويلها من هيئة الصحة الوطنية في الولايات المتحدة الأمريكية بين عامي 1972 و2008. وقد توصلوا إلى التالي: واحدة من كل أربع دراسات لم يتم نشر نتائجها على الإطلاق. لهذا قام الفريق بسؤال الباحثين عن هذه الدراسات المخفية، وظهر أن متوسط نتائج العلاجات في الدراسات التي تم إخفاؤها كان أسوأ بشكل جوهري من الدراسات التي تم نشرها. فلو تم أخذ هذه النتائج بعين الاعتبار، فلا بد عندئذ من تصحيح حصيلة النجاح لعلاج الاكتئاب نحو الأسفل بشكل واضح –بل وأن نتائجها كانت ستكون أسوأ من العلاج بمضادات الاكتئاب.

تحايل وعيوب منهجية

وليست نتائج الدراسات وحدها هي المخيبة للآمال. إذ يرجع الفضل في العدد الكبير لدراسات المعالجات الواعدة بالنجاح للكرم في طرق البحث عند الباحثين. فعندما دقق إيلين دريسن وبيم سويجبيرس وآخرون بـ115 دراسة حول الاكتئاب ظهر أن 104 منها قد تم تنفيذه بطريقة سيئة. ولكن بالمقابل فقد أشارت هذه الدراسات إلى نجاحات جيدة: فالمعالجة على ما يبدو قد أفادت واحد من شخصين مكتئبين. أما الدراسات الإحدى عشرة الجيدة فقد برهنت العكس: فواحد فقط من ثمان مرضى استفادوا بالفعل من العلاج.

ولا تقتصر المشكلات على معالجات الاكتئاب وحدها بل لعلاجات أخرى كثيرة. فقد صرح أستاذ علم النفس جيمس كوين James Coyne من جامعة بنسلفانيا في "بيان رسمي" له "إن نوعية المراجع المتخصصة بالعلاج النفسي في الوقت الراهن لهي من نوعية أسوأ من أن تقدم مساعدة موثوقة للمعالجين والمرضى والمسؤولين في لجان اتخاذ القرارات".

إن الإجراء الممارس بشكل كبير، جيد بالنسبة للنتائج، ولكنه وخيم العواقب على المرضى. فجزء من المرضى يتم علاجه مباشرة والجزء الآخر يتم تسجيله على قائمة الانتظار ويستخدم كمجموعة مقارنة. إلا أن الانتظار يضر بالمرضى. وينتقد بروفيسور الطب النفسي ماثياس بيرغر Matthias Berger من جامعة فرايبورغ بأن هذا الإجراء يوحي للمريض بأنه لا أمل له في التحسن وأن العلاج سيأتي لاحقاً، الأمر الذي يقود إلى تأثير بلاسيبو عكسي (دواء وهمي: المترجم): "لأنه يقال للمريض: أنت لن تحصل على شيء، وما عليك سوى انتظار".

وعليه فإن نجاح العلاج النفسي في كثير من الدراسات متواضع –وربما يكون في الحياة الواقعية أقل من ذلك. فأغلب الدراسات جرى تنفيذها في المشافي الجامعية، حيث قام الباحثون بالتأكد مما إذا كان المعالجون يعالِجون بشكل صحيح. وهم يقومون بشكل خاص بانتقاء المرضى بدقة. ومن يعاني من اضطرابات مختلطة يتم استبعاده مع أن ذلك يمثل القاعدة وليس الاستثناء.    

وعندما يختبر الباحثون وبشكل استثنائي كيفية إجراء العلاج ضمن الظروف الأقرب للطبيعية فإن النتائج غالباً ما تدعو إلى الرثاء.  وعليه لم يختف الاكتئاب، ليس حتى لدى مريض أصل أربعة مرضى ممن جرت معالجتهم في ثلاثة من العيادات الطبية النفسية الخارجية في أمستردام.

هل العلاج النفسي أفضل من الأدوية الصيدلانية؟

على ما يبدو فإن العلاج النفسي لا يفيد بشكل أفضل من الأدوية، على حسب ما تظهره دراسات حديثة. فقد جربت سبعة مشافي ألمانية في السنوات الأخيرة مساعدة حوالي 400 راشد يعانون من مشكلات مشابهة للتي يعاني منها الأطفال مفرطي النشاط –فقد عانوا من اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط (ADHS). وقد أجرى قسم منهم 22 جلسة علاج ضمن المجموعة تعلموا فيها التقنيات العلاجية الممكنة كلها من التحكم بالمشاعر مروراً بإدارة التوتر وانتهاء باليقظة. وجزء آخر منهم كان يراجع بين الحين والآخر مدير الدراسة تماماً بما يشبه مراجعة الطبيب، لمدة ربع ساعة. وكانوا يتحدثون عن مشكلاتهم إلا أنهم لم يحصلوا على علاج نفسي. وكانت النتيجة أنه لا توجد أية فروق تذكر – فقد تحسنت كلتا المجموعتين إلى حد ما إلا أن أولئك الذين تحسنوا بالفعل كانوا ممن تم وصف دواء مضاد لنقص الانتباه وفرط النشاط (ADHS) –مع أو بدون علاج نفسي. وما يشبه ذلك حصل قبل بضع سنين مع دراسة مقارنة كبيرة لأطفال يعانون من (ADHS). وكذلك الأمر في الاكتئابات فإن فاعلية العلاج النفسي مقارنة بالعلاج النفسي مخيبة للآمال. فعلى المدى القصير يكون تأثير العلاج النفسي سيئ أو ربما ضئيل بشكل مشابه للعلاج الدوائي. إلان مؤيدو العلاج النفسي يقولون بأن العلاج النفسي يفيد على المدى البعيد في حين أن الدواء يؤثر طالما ظل المريض يتناوله، غير أنه لا نستطيع الاعتماد على هذا، على الأقل لدى الأطفال واليافعين حيث لم يعد هناك دليل بعد سنة على وجود فائدة.

علامات سيئة للعلاج المعرفي

 وبشكل خاص فإن النتائج الجديدة حول العلاج النفساني الرائد للاكتئابات لدى الراشدين صادمة. ففي العلاج المعرفي السلوكي يتعلم المرضى استبدال الأفكار الواقعية بالأفكار السلبية حول أنفسهم والعالم، ويتدربون على العودة للمشاركة بالحياة من جديد.

قام أودغاير فريبورغ Odgdiger Friborg من جامعة آرتاستك بالنرويج Arctic University of Norway بتحليل الاتجاه في 70 دراسة. فقد لمع العلاج المعرفي السلوكي في سبعينيات القرن العشرين عندما كان جديداً –على الأقل على الورق. إلا أنه منذ ذلك الحين كان هناك انحدار مستمر. واليوم تكاد لا تبلغ فائدته نصف ما كان يدعى.   

فمن المؤكد أن جزءاً من تقارير النجاح الماضية قد انبثق عن أنه لم يتم إجراء الدراسات الأولى بصورة دقيقة كفاية وأنه لم يتم نشر سوى النتائج الإيجابية. كما أنه من المحتمل أن المعالجين في الماضي كانوا مؤهلين في العلاج بشكل أفضل –وبعضهم أسهم في تطوير الطريقة. كما أنه من الممكن أن المرضى لم يعودوا اليوم يؤمنون بالعلاج بالدرجة نفسها التي كانوا يؤمنون بها في ذلك الوقت. ويسترجع فريبورغ قائلاً أنه في ذلك الوقت: "غالباً ما جرى تقديم العلاج المعرفي السلوكي على أنه المعيار الذهبي gold standard ن أن  لعلاج عدد كبير من الاضطرابات. إلا أن نتائج الدراسات كانت تزداد سوءاً، والمرضى يمكنهم أن يقرؤوا على صفحات الانترنت. "وليس من المستغرب أن الثقة والإيمان بفاعلية العلاج المعرفي السلوكي قد تراجعت في العقود الأخيرة".  

لذلك تقدم في السنوات الأخيرة "تعديل التفكير المشوه" ليتحول إلى النجم الجديد بين العلاجات النفسية. فعلى سبيل المثال نودي بطريقة تعديل الانحياز الاستعرافي Cognitive Bias Modification والذي يرمز له اختصاراً (CBM) بـ "السلاح الإكلينيكي الجديد"، وبهذه الطريقة تجري محاولة إعادة تدريب التشويهات الآلية الضارة للتفكير أو الانتباه. وقد قامت المجلات المتخصصة الرائدة بتقديم تقارير متحمسة. إلا أن الكثير من الباحثين اليوم محبطون. ويلخص إيرنست كوستر   Ernst Koster من جامعة غنت Gent البلجيكية ذلك بقوله: "إن الفاعلية العلاجية لـ (CBM) حتى الآن مثبطة". وعليه فقد توصلت يوانا كريستيا   Ioana Cristea في مجلة الطب النفسي البريطانية British Journal of Psychiatry في عام (2015) إلى أنه لم يتم التمكن من إثبات أن تعديل الانحياز الاستعرافي (CBM) مفيد ضد القلق بالفعل –باستثناء بعض الدراسات-. والصورة نفسها حصلت عليها في محاولة معالجة الاكتئاب بالطريقة نفسها.

أما أفضل الفرص فما زال تعديل الانحياز الاستعرافي ((CBM يملكها ضد الكحول. ففي دراسة في مشفى ألماني لإعادة التأهيل التحق المئات من المرضى بتدريب تعديل الانحياز الاستعرافي  (CBM بالإضافة إلى برنامج المستشفى الاعتيادي. وبعد سنة استمر 59% من المتدربين   بالجفاف، مقابل 46% من الذين لم يدخلوا البرنامج. وعندما جرت إعادة التجربة كانت النتائج جيدة بصورة مشابهة.

العلاج النفسي مفيد –حتى وإن لم يكن بالنسبة للكثيرين وليس بالجودة المأمولة، التي تعد فيها التنبؤات. إلا أنه حتى الآن لا يتم الاستثمار في تحسين العلاج النفسي. ففي الاتحاد الأوربي لا يتم تخصيص سوى أقل من 2% من المال في البحث الطبي للأمراض النفسية وجزء بسيط منه يتم استثماره لتطوير العلاجات النفسية. وربما يستطيع الباحثون بمزيد من المال تحسين المعالجات بحيث تصبح فاعلة كما يَعِد المعالجون الآن. 

يعتمد الأمر على المعالج!

هناك نسبة تتأرجح بين 30-5% من الباحثين عن المعالجة النفسانية لا يستفيدون بالشكل المأمول. فشكواهم لا تتحسن. ويمكن أن يرجع السبب إلى سلوك المعالج.

فولفغانغ فولر [3]Wolfgang Woeller

برهنت الأبحاث في العقود الأخيرة أن العلاج النفسي فاعل، ومع ذلك فهناك نسبة تتراوح ببن 30-50% من المرضى لا تتحسن شكاواهم في أثناء فترة تلقيهم العلاج. وعلى الرغم من إدخال العديد من الأساليب العلاجية الجديدة فإن هذه النسبة ظلت في العقود الأخيرة من دون تغيير جوهري يذكر. فكيف يمكن تفسير ذلك؟

إن إلقاء نظرة على نتائج البحث تظهر أنه لم يتم التقليل من تأثيرات كل من العوامل المتعلقة بالمرضى والعوامل الخارجية فحسب بل كذلك تأثيرات العلاقة العلاجية بالإضافة إلى عوامل المعالج نفسه. وحسب تحليلات بعدية جديدة فإن لهذه العوامل تأثير واضح على نجاح العلاج أكثر بكثير من الطريقة العلاجية على سبيل المثال.  وعلى هذه الخلفية يطرح السؤال نفسه: من هو المعالج "الجيد كفاية"؟ The sufficiently good therapist. ويقصد بهذا المفهوم الذي يرجع إلى دونالد فينيكوت Donald Woods Winnicott (1896 – 1971)، والذي تحدث عن "الأم الجيدة كفاية" 'good enough' mother، الإشارة إلى أن المعالج مقيد في إمكاناته وأن الأمر يفترض أن يتعلق بتعامله مع هذا القيد.

تظهر الدراسات التي تهتم بدراسة تأثير شخص المعالج على نتائج المعالجة متفقة بأن بعض الأداءات (المزايا) أفضل من غيرها –بغض النظر عن التشخيص والسن وحالة المداوة وشدة مرض المتعالج. فإذا ما قارنا مجموعة المعالجين الفاعلين مع مجموعة أولئك الأقل فاعلية فإنه يظهر أن متعالجين المعالجين الناجحين يظهرون تحسناً أعلى بمقدار 50% ونسبة قطع العلاج أقل من 50% على الأقل –مقارنة بمرضى المعالجين الأقل فاعلية.

الثقة والطمأنينة والانفتاح

ماهي التصرفات وخصائص الشخصية عند المعالجين والتي تؤثر على نتيجة العلاج؟ اهتم عدد محدود من الدراسات بهذا السؤال. وعليه فمن المعروف بأن نجاح العلاج يتحفز عندما يمنح المعالجون لمتعالجيهم الثقة والأمل والتفاؤل وعندما يوضحون لهم المبدأ العلاجي الذي يمثلونه بغض النظر عما يكون هذا المبدأ.

وتظهر استفتاءات المرضى أن المعالجين الذين يعيشهم المتعالجون على أنهم مرنون وخبيرون وصادقون ومحترمون وجديرون بالثقة وواثقون ومهتمون ويقظون وودودون ودافئون ومنفتحون، كانوا أقدر من الآخرين على بناء علاقة علاجية جيدة. وكان مهم بشكل خاص للمرضى الكيفية التي يستجيب المعالج لهم بها، إن كان قد أخذ استجابتهم على ما قاله لهم على محمل الجد أو إن كان قد غير تعامله معهم في حال كان الموقف أو السياق يتطلب ذلك. وكان كل من الاستجابة responsiveness والمرونة Flexibility والتقبل  Acceptanceوالحضور Presence الصفات المفتاحية التي وصف من خلالها المرضى المعالج الجيد.

أما تأثيرات المعالج غير الملائمة فهي سيطرة المعالج والمشاعر السلبية تجاه المتعالج في بداية العلاج والرسائل البين شخصية العدائية المتخفية في التدخلات والنمط غير الآمن من الارتباط للمعالج، على الأقل مع المرضى ممن يعانون من مشكلات نفسية شديدة. ومن المفاجئ أن أقل تأثير على نتيجة العلاج كان للخبرة المهنية وسعة التأهيل العلاجي النفسي.

لا يحتاج المعالجون النفسيون أن يكونوا كاملين؛ فالمرضى على ما يبدو يغفرون لمعالجيهم الكثير، إذا ما تأسس بينهم تفاهم حول سوء الفهم وعدم الكفاية الحتميين. وعليه فقد تمت ملاحظة تأثيرات إيجابية للغاية إذا أمكن حل سوء الفهم، وعندما تمكن المرضى من مشاركة انفعالاتهم السلبية ولم يستجب معالجيهم بصورة دفاعية بل بانفتاح وتقبل.

كما أشارت التقارير إلى تأثيرات غير ملائمة على علاقة المعالج-المتعالج عندما كان المرضى يخفون مشاعرهم السلبية عن معالجهم ولم يلاحظ المعالجون شيئاً من ذلك أو عندما استجابوا لهم بارتباك وبتفسيرات متسرعة وبأساليب دفاعية أخرى.

الحذر من التفاسير المتسرعة

كذلك أثر بشكل سلبي على نتائج العلاج عندما عاش المرضى معالجهم على أنه جامد، أو غير آمن أو استغلالي، أو انتقادي، أو نائي أو متوتر أو مشتت. وبشكل خاص تمت خبرة التفسيرات على أنها غير ملائمة، والتي على الرغم من أن مضمونها تعلق بعلاقة المتعالج بالمعالج، غير أنها لم تكن مصاغة على أرضية علاقة مثمرة. وحسب رأي المرضى المسؤولين لا يفترض للمعالجين استخدام مثل هذه التفسيرات إلا إذا كانوا قادرين على افتراض وجود علاقة جيدة ودافئة بمرضاهم ولا يستجيبون عليها شخصياً بشكل سلبي.

ومن المهم بالنسبة لرابطة علاجية جيدة التطابق بين المريض والمعالج فيما يتعلق بمهام العلاج وأهدافه أيضاً. بالإضافة إلى أنه على المرضى أن يشعروا بأنهم مفهومين ومقبولين وأن يتمكنوا من تنمية الشعور بالتضامن.

والمعالجون النفسيون غالباً ما لا يتعرفون على أن المريض لا يتقدم أو تسوء حالته أو يدور في ذهنه قطع العلاج. ففي إحدى الدراسات تعرف المعالجون المدروسين على 44 مريض فقط من أصل 550 مريضاً من الذين ساءت حالتهم أثناء العلاج. وفي دراسة أخرى افترض 25% من المعالجين النفسيين أن 90% من متعالجيهم قد تحسنت حالتهم؛ في حين أن 50% من المرضى رأوا أنه ولا أية حالة من حالات متعالجيهم قد ساءت. لا يوجد شخص ما يعد عمله أسوأ من المتوسط؛ فأقل من 4% من المحترفين قيموا أنفسهم وسط.

يصعب بالفعل على المعالج في الحالات الفردية الحكم فيما إذا كان غياب تحسن الأعراض أو ازديادها سوءاً يرجع إلى إدارته للعلاج أو إلى عوامل أخرى. إلا أنه يمكن للمعالجين السبر الفاعل لكيفية استجابة المتعالجين على تعابيرهم، توجيه انتباههم بشكل أقوى على المشكلات البادئة.  وعليهم بشكل خاص ألا يأملوا أن يكون انهيار العلاقة العلاجية عابراً، وألا يواصلوا العلاج وفق مبدأ "المزيد من الشيء نفسه more of the same"، عليهم أن يتعرفوا على الإشارات غير اللفظية للشك والرفض وتشجيع المرضى على المزيد من الاستقصاء. وعليهم أن يتعلموا بشكل خاص أألا ينظروا لعدم الموافقة على مقترحاتهم وتفسيراتهم على أنها مقاومة لابد من مكافحتها، وإنما فهمها على أنها إشارات مرحب بها حول الكيفية التي يمكن فيها المواصلة بصورة مختلفة.

[1] العنوان الأصلي: Psychotherapie wirkt! Wirklich?: Psychologie Heute (43J) H.7 2016 (58-63)

[2] طبيب الأعصاب

[3] محلل نفسي، طبيب متخصص بلالطب السيكوسوماتي والعلاج النفسي و العصبية والطب النفسي. المدير الطبي لمشفى راين باد هونيف Rhein-Klinik in Bad Honnef ومحاضر في جامعة هاينرش هاينة دوسلدورف. هذا المقال اختصار لمقال من مجلة المعالج النفسي Psychotherapeut2/3,2016

 

للخلف