في تفنيد العلوم الزائفة- دراسة الخط تحت المجهر: علم أم لا؟

25/05/2019 21:51

في تفنيد العلوم الزائفة- دراسة الخط تحت المجهر: علم أم لا؟

أ.د. سامر جميل رضوان

كانت الإجابة عن السؤال: ما هو العلم؟   صعبة دائماً- في العلوم الطبيعية الدقيقة وحدها، توجد هناك معايير ملموسة. لذلك علينا أن ننظر إلى المعابر بين العلم واللاعلم بشكل تفصيلي.

ودراسة الخط هي حالة خاصة. تتمثل مهمتها في جمع عينات من خط اليد أو التواقيع الفردية وفحصها وفقًا لعدد من العلامات ثم تصنيفها ضمن فئات محددة. وكلما تجمعت مواد كتابية أكثر كان الأمر أفضل. ويتم اليوم استخدام الأساليب الحديثة لتحليل كميات كبيرة من خطوط اليد بواسطة الكمبيوتر. فبمقدار ما يتعلق الأمر بعملية تجميع الخطوط، والتأمل فيها ومقارنتها فلابد وأن تكون دراسة الخطوط علماً. ولكن غير ذلك فإننا لا نحصل على شيء آخر. وهذا الوضع يذكرنا بعلم الأتروسكولوجيا  Etruscology[1] - فالمرء يعرف كتابة حضارة الأتروريين، ويمكن قراءتها، لكنه لا  يستطيع ترجمتها. كما تواجه دراسة أعصاب المخ المشكلة نفسها؛ إذ يمكن قياس التيارات التي تتدفق عبر أجزاء معينة من الدماغ. ولكن إمكانية قراءة الأفكار من خلال القياسات الفيزيولوجية تبدو فكرة ساذجة. من الواضح أنه تم الوصول إلى الحد الطبيعي هنا. بالنسبة لعلم الخط، فإن هذا يعني أن هدفه المتمثل في استنتاج سمات الشخصية من خط الكاتب أو توقيعه لن يتحقق. فمن المعروف أن الطريق لا يزال طويلاً. ولكن من حيث المبدأ مستحيل؟  كان أحد الآباء المؤسسين ويدعى لودفيغ كلجز Ludwig Klages يرى أنه يمكن عن طريق الخطوط التمييز بين الأخيار والأشرار.  إن ما هو مؤكد اليوم هو أن خط اليد هو خاصية فردية للفرد، مثل البصمة ولكن لا يمكن إيجاد تصنيفات لأنماط للشخصية من خلال خطه أو توقيعه.

اهمية دراسة الخط مثيرة للجدل. يعتمد كل من المعارضين والدعاة على الدراسات العلمية. يستنتج غالبية المؤلفين أن العلاقة بين خط اليد وسمات الشخصية لا يمكن إثباتها علميا.

منذ نهاية القرن الماضي، يرفض النقاد دراسة الخط باعتباره غير علمي. وعلى وجه الخصوص، فإن التحليلات البعدية Metaanalysis التي قدمها دين Dean   في عام 1992،  والذي - يلخص مختلف التحقيقات - تقدم شهادة سيئة على صحة دراسة الخط؛ إذ لا يمكن إثبات الموضوعية والموثوقية والصدق، أي المتطلبات المعتادة لطرق الاختبار، إلا من خلال العمليات التجريبية لعلم الخط (وكذلك بالنسبة للطرق التشخيصية النفسية الأخرى). وهذا الدليل لم يكن ناجحاً. فهو باختصار لا يتمتع بالصدق والثبات والموضوعية.

ويعد أستاذ علم النفس أوي كانينج Uwe Kanning في ألمانيا ناقداً للإجراءات المشكوك فيها في تشخيص الاستعداد وانتقد دراسة الخط بالإضافة إلى انتقاده للبرمجة اللغوية العصبية وتفسير الجمجمة وكخبير تشخيص، يلخص النقد على النحو الآتي:

"إذا لخصنا تحليلنا للوضع الراهن "لعلم" دراسة الخط، فهناك استنتاج واضح: فعلى الرغم من أن دراسة الخط أمر يبعث على التسلية ويمكن تبريرها على أنها لعبة اجتماعية، فإنها لا تستطيع بأي حال الوفاء بالوعود الكاملة لأتباعها."  تستند الفوائد المنسوبة لها إلى التفكير بالتمني والتشوهات الإدراكية والجهل والصدفة.

ومن منظور علم النفس العلمي، فإن دراسة الخط هي تقنية قديمة لا ترقى إلى مستوى وعودها.

والقصص التي يوردها  الذين يدعون بأنهم متخصصون في دراسة الخط   حول العملاء الراضين تشبه علم التنجيم أو العرافة أو تنبؤات الأبراج، إذ أن التأثيرات الناجمة ناجمة عن الآثار النفسية  كتأثير بارنوم[2] على سبيل المثال.

لم يتمكن علماء الخطوط بعد من إثبات جدوى علم الخطوط علميا فهو يفتقر إلى نظرية معقولة وأدلة إحصائية تجريبية تبرر الاستخدام. وهكذا، في دراسات مزدوجة التعمية، لم يتمكن علماء الرسم من الحصول على تنبؤات أفضل بكثير من مجموعة التنبؤات الحاصلة في المجموعة الضابطة التي حققتها التخمين العشوائي.  

يستخدم الذين يدعون بتخصصهم بعلم دراسة الخط اليوم الحاسوب، لإضفاء صبغة رسمية على الأساس العلمي ومع ذلك، لا يزال يفتقر إلى أدلة مقنعة. وعلى الرغم من أن الدعاة يقدمون العديد من الأمثلة على الأدلة القصصية، فإن معظم الدراسات العلمية لم تظهر أي دليل على الروابط المزعومة بين الكتابة اليدوية للشخص وسمات الشخصية. يمكن تلخيص موقف الدراسة حاليًا بطريقة لا تسمح فيها قراءة المخطوطة بأي نظرة ثاقبة للشخصية كما أنها غير قادرة على التنبؤ، بالأداء المهني على سبيل المثال،  

لقد أظهر التحليل البعدي والذي تضمن بيانات من أكثر من 200 دراسة أنه لا يمكن التنبؤ بسمات الشخصية باستخدام طرق دراسة الخط. وكذلك أظهرت التحليلات اللاحقة أيضًا أن أخصائيي علم الخط المزعوم لا يصلون إلى معلومات أكثر صحة من الأشخاص العاديين وأن دراسة الخط ليست مناسبة كوسيلة لاختيار الموظفين أو لغيرها.

 

 


[1] علم الآثار (Etruscology) هو دراسة الحضارة القديمة للأتروريين في إيطاليا، والتي تم دمجها في الإمبراطورية الرومانية خلال فترة جمهورية روما الوسطى. نظرًا لأن الأتروريين كانوا مؤثرين سياسيًا وثقافيًا في روما ما قبل الجمهورية، فإن العديد من علماء الأتروس هم أيضًا علماء التاريخ والآثار والثقافة في روما.

[2] هو ظاهرة نفسية تشير إلى ميل الأفراد إلى رؤية كلام المنجمين على أنه دقيق وأنه وصف شخصياتهم التي يفترض أنها صممت خصيصا لهم، ولكنه في الواقع عادة ما يكون غامضا وعاما لدرجة أنه يمكن أن ينطبق على طائفة كبيرة من الناس.

 

للخلف