إدمان الانترنت

10/08/2013 09:20

إدمان الانترنت

أ.د. سامر جميل رضوان

على الرغم من وجود خلاف حول فيما إذا كان مصطلح "إدمان الانترنت"  مبرراً أم لا، إلا أن الخطر قائم بالفعل، بل وتوجد في وقتا الراهن أولى المعايير التشخيصية لمتلازمة إدمان الانترنت. كما يوجد كذلك علاج لإدمان الانترنت يمتد من المعالجة الخارجية وصولاً إلى المعالجة المركزية في المستشفيات الجامعية المتخصصة.

لكل زمن أمراضه: الطاعون والسل و وداء النقرس و السكري و أمراض القلب والدورة الدموية و فقدان الشهية للطعام و الشره المرضي و الكحولية و إدمان المدمنات. و كل نوع من هذه الأمراض له خلفيته الاجتماعية الاقتصادية.

وها نحن اليوم نعيش في عصر المعلومات ، وقد أصبح الانترنت مصدراً مهماً من مصادر المعرفة. وكل فرد ناشط علميا ً و ذهنياً على هذه الأرض يستطيع التواصل مع الآخرين بدرجات مختلفة. وما يمثل بالنسبة لشخص ما الرعب يشكل بالنسبة للآخر عالم من السحر والجاذبية. ولكن علينا أن نكون حذرين: فقد قال بارتسيلسوس   Paracelsus  أشهر طبيب في العصور الوسطى مقولته الشهيرة dosis facit venenum : الجرعة تحدد فيما إذا كان شيء ما سيكون دواء أم سماً. وهكذا هو الأمر في الانترنت أيضاً. و بالقياس إلى ألعاب الحظ المرضية ومعاناة الكمبيوتر يوجد الآن معايير يمكن أن تحدد الإدمان على الانترنت.

فهل هناك سبب للقلق؟

ففي النهاية يمكن للإنسان أن يصبح مدمناً على كل شيء: الكحول، النيكوتين، المدمنات، الطعام، اللعب، التسوق، كمال الأجسام ، الجنس...الخ.

ويوجد في هذه الأثناء مئات الملايين من مستخدمي الانترنت، ويتزايد العدد بشكل كبير باطراد. ومتوسط سن مستخدمي الانترنت يقع في حدود سن الثلاثين، ويبلغ متوسط استخدام الانترنت في الأسبوع حوالي 35 دقيقة. وهذا بحد ذاته ليس مشكلة. إلا أنه يوجد في هذه الأثناء مدمنين على الانترنت، أو ما يطلق عليهم مرضى الانترنت. وعلى الرغم من أن المرء ظل لفترة طويلة لا يأخذ الأمر على محمل الجد، واعتبرت الوصوفات الأولى لهذا الاضطراب على أنها مجرد نكته، إلا أنه بعد ذلك بدأت هذه الظاهرة تأخذ مظهراً جدياً دفعت لأخذ هذا الاضطراب على محمل الجد. ففي الولايات المتحدة الأمريكية يوجد أول مركز للمدمنين على الانترنت On-Line-Addiction بل ويوجد أيضاً ما يسمى متخصصون نفسيون سبرانيون Cyber-Psychologist. و بالطبع أيضاً عدد متزايد من المؤتمرات و الكتب والمعلومات حول هذا الأمر. ومن أجل التأصيل العلمي لهذا تم وبالقياس إلى معايير ألعاب الحظ في الدليل الإحصائي والتشخيصي الأمريكي الرابع للاضطرابات النفسي DSM-IV-TR  الصادر عن الجمعية النفسية الأمريكية استخلاص معايير إدمان الانترنت و التي تتمثل في:

  1. توق شديد أو نوع من القهر لاستخدام الانترنت.
  2. انخفاض السيطرة على الوقت الذي يستخدم فيه الإنسان الانترنت. مثال: زيادة الوقت المستهلك في استخدام الانترنت مقارنة بالسابق أو استخدامه لوقت أطول مما هو مخطط له؟ والرغبة المستمرة أو المحاولات الفاشلة لتخفيض استخدام الانترنت أو للسيطرة عليه.
  3. أعراض السحب، إذا ما لم يتم استخدام الانترنت أو إذا ما انخفض الوقت الذي يستخدم فيه الشخص الانترنت. و تختفي هذه الأعراض الخاصة عند استخدام الانترنت ثانية.
  4. نمو القدرة على التحمل تجاه الإشباع في استخدام الانترنت ومن ثم "زيادة الجرعة": أي أن الشخص لا يعود راضياً أو لا يشعر بالإشباع من استخدام الانترنت ويتوق دائماً إلى المزيد.
  5. تضيق الحياة على استخدام الانترنت، وبشكل خاص إهمال مظاهر مهمة أخرى: الشريك والأسرة و المهنة و المتع الأخرى أو مجالات الاهتمام الأخرى. ويتزايد استهلاك الوقت المستخدم في "الجلوس على الانترنت" و استخدامه و ينقص الوقت الذي يستريح فيه المرء.
  6. استمرار استخدام الانترنت على الرغم من العواقب الشديدة المضرة،على الرغم من أن الشخص يكون مدركاً للعواقب والأضرار أو كان عليه أن يعرف هذه العواقب مسبقاً.

من هو المعني؟

حتى الآن لا يوجد إلا القليل من المعارف حول إدمان الانترنت. إذ أنه ما زال هناك نوع من الشكوك المضمونية والشكلية حول الكيفية التي يمكن أن تبدأ المعاناة بها. ولكن بالنسبة للحياة اليومية لا بد من أخذ الأمور التالية بعين الاعتبار:

فالمعنيون يعانون بشكل أساسي من مشكلات في العمل أو في الحياة الزوجية. و يكون معرضاً للخطر بشكل خاص  أولئك  الناس الذين تطلق عليهم تسمية الغرف متعددة الاستخدام multi User Dungeons ويرمز لها اختصاراً MUDS. وهي عبارة عن مواقع أو أماكن افتراضية (أي غير واقعية) يستطيع فيها المشاركون التأثير على محيطهم، أي باختصار: استبدال الواقع الخيالي بالواقع الحقيقي. كما أن مجموعات الحوار و ما يسمى بحارة الانترنت  Internet Surfs  المتحمسين من المجموعات المعرضة لخطر الإدمان.

 

إدمان الانترنت هل يمكن تفسيره عصبياً

بالطبع لا يمكن للمرء أن يدعي وجود الشيء فقط بل عليه برهان وجوده. لهذا يوجد في الوقت الراهن عدد متنامي من الدراسات العصبية النفسية و الكيميائية العصبية و المرضية العصبية ومن ثم المعارف. وبالفعل هناك دلائل على أن البحث في الانترنت يقود إلى تحرير مواد محدد في مناطق محددة من الدماغ –بما يشبه الأمر في ألعاب الفيديو- و من ثم يمهد الأمر لخطر الإدمان.

العروض العلاجية

سيستغرق الأمر وقتاً إلى أن يتفق العلم. لقد كان هذا الأمر منذ القديم مع كل "معاناة حديثة"، ولن يتغير هذا الأمر في المستقبل. و هذا ليس بالأمر الخطأ إذ فقط من خلال الفحص الدقيق يمكن تجنب الخطأ وسوء الاستخدام.

وعلى الرغم من هذا فهناك معنيون و من هم محتاجون للعلاج، بالمقابل هناك القليل من المتخصصين. و تتوفر في بعض الدول المتقدمة خطوط انترنت يمكن من خلالها للمعني الإبلاغ عن أعراضه بوساطة البريد الاليكتروني ويتم اختبار فيما إذا كان يعاني من الإدمان من خلال فحص أعراض السحب النفسية و الجسمية. أما أعراض السحب في إدمان الانترنت فتتمثل في: التوتر النفسي والجسدي، مخاوف، أفكار قهرية، خيالات أو أحلام حول الانترنت، حركات ضغط شعورية أو غير شعورية للأصابع (وكأن الإنسان يضغط على لوحة المفاتيح). وهناك مؤشرات على فاعلية بعض أنواع مضادات الاكتئاب من نحو كابحات إعادة قبض السيروتونين الانتقائية.

 

 

للخلف