عندما يستحوذ العدوان

16/08/2013 23:01

تستحوذ على نمط الشخصية العدائي طاقة تكون متوجهة نحو اكتشاف العيوب في الآخرين، بحيث أنها تتصرف بناء على ذلك فتقوم بتبخيس الآخرين والحط من شأنهم.

إن "التملق نحو الأعلى"  (تمجيد المستبد) و "الدوس على الأدنى" (احتقار الأضعف) هو  جزء من السمات الأساسية للطبيعة السلطوية.  فمن خلال وضعية "سائق الدراجة" الاجتماعية هذه يعوض هذا النمط عن الإهانات التي عانى منها لمشاعر قيمته الذاتية وذلك من خلال إذلال الذين هم أدنى منه، أي "الناس التابعين". وبمقدار ما تستثير العبارات السابقة استنكارنا ورفضنا إلا أن مثل هذه السمات موجودة معاً في كل واحد منا!. فالطريق إلى الإنسانية لا يتم قطعه بدون شائبة تشوبه، وإنما يتطلب المعرفة الذاتية بالأجزاء المكروهة فينا وقبولها ودمجها،  وإلا فالانقسام هو مصير هذه الأجزاء "السيئة" من الذات ثم التعرف إليها ثانية في الآخرين  باستنكار  أخلاقي كبير.! النزوع العدواني  المحتقر للآخر  يتسلل إلينا من الباب الخلفي ثانية، ربما بثياب الملاك الطاهر.

 وعندما يستحوذ علينا هذا الاتجاه العدائي، فإننا نندفع بشكل صريح أو متخف لعمل أي شيء يجعل من الآخر صغيراً أو مذنباً أو تافهاً أو بلا قيمة. نحن غاضبون كلية، ننشر غاضبين أخطاءه ونواقصه المميزة على الحبل (تقول العامة: لقد نشرت له عرضه)، نقذفه ونتهمه بأسوأ التهم، ونمَرِّضه ونتفهه، ونخونه وننعته بأسوأ الصفات– وتستحوذ علينا القناعة  بأن هذا ما يستحقه، بل أكثر .

وكلما تصرف المرء مع هذا النمط  بتسامح أكبر  وعامله بطيبة بالشكل الذي يرى أنه لابد أن يكون "من حيث المبدأ"  أو  لو أبدى المرء أقل ضعف، فلسوف يستغل مباشرة هذا بلا حياء  ويبدأ بالشوي. على المرء أن يبقي على الآخر في العلبة، وإلا فأنه سيحرك بكل هدوء كتائبه الهجومية لشن معركته المدمرة ضد نفسه وضد والآخر معاً.

ويتضمن البث التواصلي الأساسي (الرسالة الظاهرة)  استعراض القوة الذاتية و الحصانة ("لايقدر علي أحد") ورسالة علاقة تبخيسية من حيث المبدأ و نداء متخف "للاستسلام" (اعْتَرِّف).

وتتوجه قرون الاستشعار لدى النمط العدائي التبخيسي طوال الوقت نحو اشتمام الأعداء، وهؤلاء يتم تخمينهم في كل إنسان مبدئياً، بل حتى في مجموعات كاملة من الناس، والتي يمكن تقنين التيار العدائي تجاههم من خلال الدعاية السياسية، وقد تتوجه قرون الاستشعار الشكاكة في بعض الأحيان ضد أشخاص معينين من الذين يمتلكون شبهاً بأولئك الذين ألحقوا الأذى به في حياته.  فقد كتب أحد الطلاب: أعرف ذلك لدي أشخاص يشبهون والدي والذين أتوقع أنهم لن يتقبلوني كما أنا. فأقوم منذ البداية بالهجوم عليهم كي يدركوا بأنهم لا يستطيعون إلحاق الأذى بي، لأني لا أستطيع تقبلهم بالأصل. ومن ثم يصبح اختبار هذه التهيؤات مستحيل في الواقع لأني أستثير السلوك المتوقع بنفسي".

إن ما يبدو  من الخارج عدواني وشرير ومحتَقِر وعياب بهذا الشكل، له جانب داخلي حساس ويائس جداً؛ وكما تقول العامة "قشرة قاسية ولب رخو". لقد عانى الطفل الصغير من التبخيس والإهانة  والإذلال الشديد وربما تعرض للضرب أيضاً. وقد غابت عنه الخبرة الأساسية للتعايش الإيجابي المتساوي الحقوق ("أنا وأنت - وكلانا بخير!")- وحتى بالنظر للاتصال الوالدي. وبدلاً من ذلك قالت معادلة الحياة "إما أنا أو أنت"- وكل هذه الخبرات تتكاثف في البديهية النفسية:

أنا لست بخير، كل ما أفعله خطأ بشكل شنيع. فإن لاحظ أحدهم هذا! فلسوف يتم احتقاري بلا شفقة!.

ويتحد الشعور بالنقص هنا بشكل خاص مع الخوف من أن يتم "التبخيس"، أومن الانزلاق في وضعية خاضعة أو الخوف من الاستبعاد (العزلة).

الإنسان العدائي يريد وقائياً  "أن يرد العدوان بالمثل" ، ويجعل من الفوقية مسألة حياتية بالنسبة له.  و ما يسمى "بالميل إلى التبخيس"  الذي وصفه ألفريد آدلر –ناجم عن محاولة ممارسة  رفع الذات من خلال تنزيل الآخر- بهدفين للخارج والداخل: للخارج تخويف وإخضاع وإذلال الآخر كإجراء وقائي كي لا يكون مضطراً للإحساس بأن الآخر يهدده؛ وللداخل من أجل تجنب ذلك الشعور  بالدونية والاستسلام والرخاوة والضعف "المُذِل" والتي يربطها الإنسان لاشعورياً بذكريات مؤلمة ولايريد أن يعيشها ثانية أبداً أبداً أبداً.  وللمساعدة على ذلك يتم هنا استدعاء آلية الدفاع "الإسقاط" والتي يصبح من خلالها ممكناً  الإدراك الشديد الوضوح لتلك الأجزاء المرفوضة من الذات ومكافحتها هناك في الموقع الذي من الممكن فيه أن تظل قيمة الذات مصانة: أين أفضل مكان يتحقق فيه ذلك؟ لدى الآخر بالطبع. المتطرفون الذيثن يغلفون تطرفهم بأهداف عليا سياسية أو دينية (الخارج) يحاربون لاشعورياً الشر الكامن في أعماقهم أنفسهم (الداخل)، ونتيجة لعجزهم عن رؤية هذا الشر فيهم، ورفضه، وإنكاره، يحصل من خلال الانقسام، أي فصل الأجزاء الخيرة والإجزاء الشريرة والخيرة كأجزاء متناقضة، ودمج الأجزاء الخيرة في الشخصية واعتبارها ملكاً خاصاً للذات، وإنكار الأجزاء الشريرة في الشخصية ورميها للخارج أو عزوها للآخرين (نحن نملك الرؤية الصحيحة والآخرين يحملون الرؤية الخطأ، محور الشر ومحور الخير)،  إسقاط للشر على العالم الخارجي، إنهم يريدون من خلال تدمير الآخر تدمير الشر الكامن فيهم أنفسهم، ولكن بلا طائل، حيث لا يحررههم  هذا أبداً من مشاعر الأذى التي لحقت بهم ولا من مشاعرالذنب، ويستمرون في حلقة مفرغة إلى ما لانهاية.

وبعد أعمال العنف الشديدة فإنه من المرعب بشكل خاص  للعامة أن تعرف بأنه في اللحظة التي تم فيها إذلال وإهانة الضحية وطرحها أرضاً ولم يعد يسمع منها سوى أنينها ووقع هزيمتها، فإنه غالباً ما لا تستيقظ لدى الجاني أية بارقة من الشفقة، كما يحصل في عالم الحيوان بالنظر إلى سلوك إخضاع المنافس الأضعف، بل على العكس فإن هذا  "الإذلال الأنان" للضحية يستثر الجاني أكثر لإلحاق المزيد من الأذى بها والإجهاز عليها. وعلى ما يبدو فإنه يتذكر في هذه اللحظة وبشكل لا شعوري إذلاله هو ، والذي يحتقره بشدة ويريد أن يجهز عليه كذلك.

 

للخلف