الشخصية الحدودية

10/08/2013 08:29

الشخصية الحدودية

الاضطراب الحدودي  عبارة عن اضطراب نفسي بين العصاب والذهان واضطراب الشخصية. ولا يوجد تعريف واحد مقبول ذلك أنه من الصعب  الاتفاق على  تعريف مقبول من جميع الجهات،  ولكن  يبدو أن عدد المعنيين آخذ  بالازدياد.

يرى بعض النقاد أنه لا يوجد على الإطلاق ما يسمى بالاضطراب الحدودي. ولكن تم اختيار هذه المفهوم الحيادي من أجل تجنب إطلاق تشخيص الفصام على المريض بشكل مباشر.  وهذه نقطة تستحق الاعتبار، وأن هذا الأمر قد يكون صحيحاً  إلا أنه لا ينطبق كلية على  حالة الاضطراب الحدودي. فالمرضى كانوا وما زالوا موجودين ويتزايد عددهم باستمرار. وقد حظيت هذه الصورة المرضية في السنوات الأخيرة بالاهتمام المكثف  وهي تكشف عن معاناة متنوعة ومعقدة فما هي هذه الصورة المرضية؟

يعني المصطلح الإنجليزي  borderline  نوع من الخط الحدودي أو المنطقة الحدودية وهو ما يقصده المفهوم العلمي أيضاً. فهو نوع من الأمراض الواقعية بين الحدود المرضية للذهان الفصامي و العصاب أو اضطراب الشخصية وذلك حسب التشخيص.

ويقصد بالذهان مرض طبي نفسي (تمسيه العامة مرض عقلي أو الجنون) تتضرر فيه الوظائف النفسية بدرجة كبيرة ويفقد فيه المريض القدرة على الاستبصار والمواجهة لمتطلبات الحياة  وتتضرر فيه القدرة على التعامل مع الواقع. و الذهان هو تسمية لأشكال مختلفة من الأمراض النفسية الناجم بعضها عن أمراض دماغية (ما يسمى بالذهان خارجي المنشأ exogene Psychoses أي الذهان المستثار من الخارج) وبعضها لأسباب غير جسدية أو غير معروفة وتطلق عليه الذهان داخلي المنشأ endogene Psychoses  . ومع أنه قد تم التخلي عن استخدام مصطلح داخلي المنشأ وخارجي المنشأ في المنظومات التصنيفية الراهنة، إلا أن هذه المفاهيم تساعدنا على توضيح الجانب النشوئي في هذه الأمراض.

أما العصاب فهو عبارة عن اضطراب نفسي واجتماعي نفسي من دون أسباب عضوية قابلة للبرهان. وهو تعبير عن مجموعة متنوعة من الصور المرضية المختلفة التي أصبحت اليوم تصنف تحت اضطرابات القلق وعسر المزاج والاضطرابات القهرية وغيرها. 

واضطراب الشخصية هو السلوك الخطأ أو المضطرب المتجذر بعمق  في سمات الشخصية مع وجود صراعات اجتماعية وشخصية. وكانت تطلق عليها في السابق تسمية الشخصية الشاذة.

وليس من العجب ألا يكون هناك تعريف محدد وواضح في مثل هذا المجال الحدودي لاضطراب نفسي متنوع المعاناة. ومع ذلك فمكن الممكن إيجاد نوع من التحديد الذي يحدد السمات الأساسية لهذا الاضطراب:

يعد المرضى الحدوديون على أنهم "ثابتون في عدم الثبات stabile in the stability "، أي أنه من المفترض لهم في الواقع أن يقوموا باللامعاوضة  decompensation (الذهانية) ن ي

، إلا أنهم لا يفعلون هذا. وبناء على الاضطراب الداخلي المعقد المبكر، أي البادئ منذ الأشهر الأولى للحياة تظل المظاهر "الطيبة"  و "الشريرة" بين الذات و الآخر (الشخص المرجعي أو الأشخاص المرجعيين) موجودة إلى جانب بعضها البعض وغير مرتبطة. بحيث يعيش المريض نفسه متأرجحاً بين الخير والشر و يقسم كذلك علاقاته الإنسانية إلى علاقات إما طيبة بالمطلق أو وعلاقات شريرة بالمطلق، من دون أن تكون لديه قدرة على الوصول إلى دمج أو تكامل مثمر بين الخير والشر.

 

الصورة المرضية المهلكة

الصورة المرضية للاضطراب الحدودي صورة متنوعة ومعقدة، و يصعب تحملها بالنسبة للمريض وأحياناً بالنسبة لمحيطه، فهي مرهقة ومعذبة ومتعبة.

غالباً ما نلاحظ وجود استجابات (مراقية [توهم مرضية]) هيبوكوندرية، أي مخاوف أو تخمينات غير مبررة بأن الإنسان مريض أو سيصبح مريضاً بمرض ما. ويقود هذا الاتجاه المرضي غير الطبيعي أو الشاذ نحو الجسد و إمكانات تعرضه للخطر إلى مراقبة مفرطة للذات أو لأعضائه. فيبحث المعنيون بعناد و قلق عن علامات المرض التي يفترض لها أن تبرهن شكوكهم.  و بما أنهم لا يجدون مثل هذه البراهين فإن الأمر لايقود إلى التهدئة على  سبيل المفارقة بل إلى توتر مستهلك باستمرار لكل القوى والاحتياطات. فعدم إيجاد شيء ما يعني بالنسبة لهم أن الأمر أسوأ مما يتوقعون.

المميز هو الشعور المتكرر بالملل المستمر و الفراغ الداخلي من جهة و الميل للمخاوف المتنوعة من جانب آخر. 

وبشكل خاص يخافون من الوحدة [من التخلي عنهم وهجرهم] على الرغم من أنهم أنفسهم يجعلون من التواصل الباعث على الرضا و بشكل خاص طويل الأمد غير ممكن على الإطلاق. فالأمر المميز لهذا هذا الاضطراب هو اضطرابات العلاقة في المجال البين إنساني.

وأحد أسباب الصراعات الأكثر تكراراً هو الخليط الغريب من السمو والتقديس لشخص ما  و التقليل  قيمته في الوقت نفسه. ولهذا ليس من المثير للعجب ألا تستمر العلاقة لفترة طويلة. وكذلك من مظاهر الصورة الإكلينيكية الشعور بالعزلة، بل والميل للاغتراب عن الواقع، أي الإحساس بأن كل شيء حول الشخص غريب عنه، وشاذ، أو حتى اغتراب الشخصية، أي اعتقاد الشخص بأنه هو ليس هو، أو أنه هو وجسده شيئان منفصلان، ومثل هذه الخبرات من اغتراب الشخصية مزعجة للشخص نفسه، ومن الصعب توضيحها بمفاهيم وصفية.

يضاف إلى ذلك  التقلبات الحاصلة في المزاج وبشكل خاص قصيرة الأمد و التي قلما يستطيع المحيط تقديرها،  و كذلك عدم  اليقين فيما يتعلق بالاختيار المهني و المظاهر البين إنسانية بل وحتى الدور الجنسي، وهو ما يتضمن تضررات جنسية. و ما يشتت في هذه الصورة المرضية الميل نحو إيذاء الذات، من خلال سوء استهلاك الكحول والنيكوتين و الكحول. وكذلك أيضاً من خلال إلحاق الأذى النفسي الاجتماعي  من خلال التصرفات الاندفاعية و السرقة و لعب ألعاب الحظ (القمار).

ومن أكثر ما يصدم في الاضطرابات الحدودية ليست الحالات العدوانية على الآخرين فحسب، (كالحساسية المفرطة ضد أي نقد، والاستثارة المزمنة، والحنق و الغضب أو حالات الاستثارة على سبيل المثال)،  وإنما الانفجارات العدوانية الذاتية مع إلحاق الأذى بالذات وصولاً إلى تشويه الذات. لهذا فإن خطر الانتحار ليس ضئيلاً.

صعوبة العلاج

مجرى الاضطراب الحدودي مجرى مزمن في العادة وبعض المرضى بنزلقون في مجرى تطورهم بالفعل في فصام "حقيقي"

والعلاج صعب جداً حسبما نتصوره من خلال الوصف الذي ذكرناه أعلاه. و أفضل علاج ناجح يبدو العلاج الداعم والمرافق أو التوجيه التربوي المستمر لفترة طويلة،و الخليط من العلاج النفسي و المساعي التربوية.  أما التنبؤ أو المآل ، أي إمكانات الشفاء فهي غير ملائمة. أي أن إمكانات الشفاء تظل محدودة.

للخلف