الذكاء الانفعالي

10/08/2013 08:59

الذكاء الانفعالي

"ذكاء ممزوج بكثير من المشاعر"

أ.د.  سامر جميل رضوان

من السهل على أي إنسان أن يغضب، وما أصعب

 أن يغضب الإنسان من الإنسان المناسب في المكان

 المناسل وللسبب المناسب وبالطريقة المناسبة.

أرسطو

    مازالت الدراسات والأبحاث في مجال الإدارة ترى أن النجاح في المهنة يتطلب من الإنسان الذكاء والقدرة المهنية (الخبرة)، ولكن هل  الذكاء والقدرات المهنية (الخبرة) كافيان وحدهما كي يكون الإنسان مديراً ناجحاً؟ .الإجابة لا بالطبع.  فمن يريد أن يكون مديراً ناجحا، لابد وأن يمتلك الكفاءة الانفعالية أو الذكاء الانفعالي.  

    من الخبرات المألوفة في حياتنا اليومية أن نرى خبيراً ذكياً جداً و مبدعاً وكفئاً في مجال من المجالات، ويحتل بنتيجة ذلك منصباً قيادياً. وعندما يتسلم إدارة منصبه القيادي .يفشل.

وبالمقابل نجد شخصاً متوسط الذكاء والخبرة، غير أنه يستطيع أن يشق طريقه نحو الأعلى.. ويثبت كفاءة مهنية وإنتاجية عالية في عمله. فهل هذا مجرد استثناء للقاعدة؟ أم أن الاعتقاد الشائع والقائل أن النجاح والشهرة للشخصيات القيادية الكبرى يقومان على الفن أو "الحظ" أكثر مما يقومان على العلم، صحيح!.

تشير نتائج الأبحاث أن غالبية رجال الأعمال الناجحون و القادة الاقتصاديون يلتقون في نقطة مهمة تتمثل في امتلاكهم لقدرات بارزة في مجال يطلق عليه العلماء اليوم تسمية الذكاء الانفعالي.

وهذا لا يعني أن المعرفة المتخصصة والذكاء التقليدي والتفكير المنطقي أو الرياضي لم تعد مهمة بل العكس. فهذه السمات ستظل تلعب دوراً مهماً وضرورياً في المستقبل. ولكن دون وجود الذكاء الانفعالي فإن أكبر الرؤوس لن يستطع أن يكون شخصية قيادية.

في السنوات الأخيرة قام دانييل غولمان في جامعة روتغيرز في نيوجيرسي بتمويل من الاتحاد الدولي لأبحاث الذكاء الانفعالي Consortium for Research on Emotional Intelligence  بدراسة الكيفية التي  يعمل فيها الذكاء الانفعالي عملياً في ميدان العمل. وقد أراد غولمان معرفة كيف يرتبط  الذكاء الانفعالي بالتصرف الناجح لدى الشخصيات القيادية. وكيف يؤثر الذكاء الانفعالي كحجر أساس في القيادة؟ وما هي صفات الشخصية ذات الذكاء الانفعالي المرتفع؟ وكيف يعرف الإنسان فيما إذا كان هو نفسه ذكي انفعالياً أم لا؟

عمل غولمان مع مديرين و رؤساء مؤسسات من أجل تحديد السمات المميزة للمديرين الناجحين للشركات والمؤسسات. بالإضافة إلى ذلك تم تحديد معايير موضوعية، كالراتب من أجل تمييز المتميزين عن المتوسط.

وعند تحليل النتائج ظهرت ارتباطات مثيرة. فقد ظهر أن القدرات الذهنية كالتفكير الكلي والمتعدد الأبعاد والتخطيط التوقعي الممزوج بعناصر من الخيال تعد عناصر مهمة بالنسبة للنجاح. وعندما تمت دراسة العلاقة بين الأبعاد الثلاثة، الكفاءة المهنية والذهنية والانفعالية لدى المديرين الذين حققوا أعلى درجة من الإنجاز،  بلغت أهمية الذكاء الانفعالي الضعف على الأقل. ومن الملفت للنظر أنه كلما ارتفعت مستويات الإدارة ازدادت أهمية الذكاء الانفعالي، ليصبح هو العامل الحاسم في النجاح. ففي قمة الإدارة وصلت درجة أهمية الذكاء الانفعالي  إلى 90%.

وقد أكدت أبحاث التنظيم أن الذكاء الانفعالي لا يميز الشخصيات القيادية المتميزة فحسب وإنما يعتبر المسؤول مباشرة عن نجاح الشركات. وهذا ما أكده الباحث في مجال دوافع الإنجاز المشهور ديفيد ماكلاند في عام 1996. وطبقاً لذلك فقد تخطى قسم الإدارة الذي يمتلك مديره حداً فوق المتوسط من الذكاء الانفعالي في شركة عالمية للمواد الغذائية النسبة السنوية بعشرين في المائة في حين انخفض إنتاج المديرين الذين تمتعوا بذكاء انفعالي متوسط بمقدار خمس النسبة المقررة.

وتشير النتائج إلى وجود خمس كفاءات مهمة في مجال الأعمال تتمثل بالتسلسل في: وعي الذات، التحكم بالذات، والدوافع، والتعاطف والكفاءة الاجتماعية.

وعي الذات:

    أن تعرف نفسك كما قال سقراط يعني أن تعيها، أن تمتلك تفهماً عميقاً لمشاعرك ونقاط قوتك وضعفك وحاجاتك ودوافعك. والأشخاص الذين يمتلكون وعياً انفعالياً ليسوا عيابين ولا متفائلين بصورة غير مقبولة. إنهم مخلصون تجاه أنفسهم وتجاه الآخرين ويعرفون كيف تؤثر مشاعرهم عليهم وعلى الآخرين أو كيف تؤثر هذه المشاعر على سلوكهم. ومن هنا يستطيع الشخص الشفاف ، الذي يعرف مثلاً مدى إرهاق ضغط المواعيد له، تنظيم وقته بدقة والعمل على إنهاء العقود في أوقاتها المناسبة.  ويستطيع العاملون الذين يمتلكون وعياً بالذات أن يتعاملوا مع الزبائن الصعبين، إذ أنهم يجيدون التعامل مع الإحباطات التي لا يمكن تجنبها بشكل أفضل ويستجيبون للغضب بشكل أكثر هدوءاً من الآخرين.

       إن من يكون شفافاً يستطيع تقدير قيمه وأهدافه بشكل صحيح. وبما أن الشفاف انفعالياً يعرف أين يريد ولماذا، يستطيع أن يرفض مثلاً عرضاً مغر مادياً إذا كان غير متطابق مع أهدافه بعيدة المدى. وبالعكس سوف يتخذ الشخص الأقل وعياً انفعالياً قرارات تقوي من فوضى توجه القيم المفقود لديه.

ويتصف وعي الذات الانفعالي بالصدق والقدرة على إدراك الذات بشكل واقعي. الأشخاص الذين يتميزون بوعي لذاتهم يستطيعون التعبير عن مشاعرهم بوضوح وصراحة وبشكل مناسب دون إفراط ومبالغة أو نزعة كمالية. ويعرفون بشكل خاص ما الذي يعني ذلك بالنسبة لعملهم.

وفيما إذا كان شخصاً ما يمتلك وعياً بذاته و متصالح مع ذاته، فإن ذلك غالباً ما يظهر في مقابلة التوظيف. فعندما يسأل شخص ما متسابق فيما إذا كان قد فعل شيئاً ما في "غمرة حماس"، ندم عليه فيما بعد، فسوف يتحدث المتسابقون الواعون بأنفسهم حول "إخفاقهم" بصراحة ويروون قصتهم بابتسامة ساخرة ومتهكمة. إذ أن واحدة من السمات المهمة للوعي هي الفكاهة الساخرة من الذات، أو الانتقاد الساخر لها، دون خوف وتزييف أو تقنيع للمشاعر.

الأشخاص الواعون بأنفسهم يعرفون حدودهم وقوتهم  ويتحدثون عن ذلك بصراحة وغالباً ما يطلبون الانتقادات البناءة. وعلى العكس من ذلك الأشخاص الأقل وعياً بذاتهم فإنهم يفسرون الانتقادات التي يحتاجونها في الحقيقة لتطوير العمل- بأنها مهددة لهم أو على أنها دلالة على ضعفهم.  فالإنسان الذي يتمتع بالوعي الانفعالي  يستطيع الاعتماد على قوته. وبما أن العاملون الواعون بأنفسهم يعرفون قدراتهم ويثقون بها فلن يغامرون بصفقات خطيرة أو يتجاوزوا صلاحياتهم . والمخاطر التي يغامرون بها تكون معقولة عادة. إنهم يعرفون كذلك متى يطلبون المساعدة دون حرج أو خوف من التقييم السلبي لهم.

    وعلى الرغم من أن فائدة العاملين الواعين بأنفسهم بالنسبة للمؤسسات وبشكل خاص في مجال إدارة الأعمال إلا أن الدراسات تظهر أن المد راء يخطئون في تقدير قيمة هؤلاء على الأغلب. فما زالوا يعتبرون أن السلوك الانفعالي الصريح والجدي والصادق دلالة على الضعف، ويعتقدون أن الذين يقرون بنقاط ضعفهم بصراحة يبدون لهؤلاء غير "صالحين" كفاية من أجل قيادة الآخرين.

والعكس هو الصحيح: فالصدق مع النفس من أكثر القيم احتراماً في عالم العمل. والإنسان الصادق مع نفسه يكون صادقاً مع عمله.

ضبط النفس

تتحكم الغرائز البيولوجية بانفعالاتنا. إننا لا نستطيع إخماد انفعالاتنا غير أنه يمكننا فعل الكثير من أجل ضبطها والتحكم بها. ويمكننا فهم ما يعنيه ضبط النفس وكأنه "حوار داخلي مستمر" يحررنا من أن نكون مأسورين بمشاعرنا. والإنسان القادر على ضبط نفسه انفعالياً يستطيع التعامل بشكل جيد مع انفعالاته، ويتصرف بحرص ولايشعر بالإرهاق في المواقف الغامضة والمربكة. وعلى الرغم من أن الأشخاص الذين يمتلكون قدرة عالية على ضبط النفس يشعرون أثناء خلاف ما أو حتى أثناء حوار داخلي صعب بينهم وبين أنفسهم- بمزاج سيئ ككل الآخرين. غير أنهم يجدون طرقاً ووسائل للسيطرة على مزاجهم أو لتوجيهها باتجاه آخر.  لنتصور مديراً قدم له العاملين معه مشروعاً سيئاً جداً. فبعد هذا الفشل قد يشعر بالغضب ويهوي بقبضته على الطاولة وأن يقذف بالمقاعد إلى الحائط وأن يصرخ بالعاملين معه. أو قد يصمت متأثراً ويرمي كل فرد من العاملين معه بنظرة قاتلة ويكشر عن أنيابه بابتسامة صفراوية.

ولكن إذا كان ذكياً انفعالياً ويستطيع ضبط نفسه فإنه سيجد بالتأكيد طريقاً آخر. إنه سوف يختار كلماته بعناية من أجل التعليق على المشكلة بصدق ونقد بناء وسيبحث عن الأسباب. هل كانت الأسباب شخصية، كنقص بذل الجهد؟ هل هناك مبررات مخففة؟ ما هو دوره الذي يمكن أن يكون هو نفسه قد لعبه في الانهيار؟ وبعد أن يجيب عن هذه الأسئلة لنفسه سوف يجمع العاملين معه ويوضح لهم تحليله للمشكلة ويطرح الحل الذي فكر به بدقة.

ويعتبر ضبط النفس بالنسبة للقوى القيادية بسبب المنافسات القاسية أمراً حاسماً ومهماً، وخصوصاً في مجال السياسة والاقتصاد والعلاقات الإنسانية. فمن يستطيع التحكم بمشاعره هو وحده الذي يستطيع مواجهة التغير المستمر في الإدراة أو في الحياة اليومية للمؤسسة وفي الظروف السياسية المعقدة. وعندما تحدث اضطرابات أو تغيرات جديدة فإن المتوازنين انفعالياً هم وحدهم القادرون على الاستجابة بهدوء. وهم بشكل خاص لا يقومون باتخاذ إجراءات متسرعة  وبدلاً من ذلك يبحثون عن المعلومات ويصغون بدقة عندما يتم عرض برنامج جديد أو استراتيجية جديدة عليهم.

والأشخاص الذين يستطيعون التحكم بمشاعرهم وانفعالاتهم بشكل أفضل يهيئون في الوقت نفسه جواً من الثقة والروح الرياضية. وتختفي الدسائس والصراعات على على السلطة وتزداد الإنتاجية بالمقابل. ويشعر العاملون الموهوبون بالسعادة في عملهم وقلما يتخلون عنه. كما ويمتلك ضبط النفس وظيفة تقديم المثال. فعندما يكون المدير معروفاً بسلوكه الرزين فلن يرغب واحد من العاملين أن يظهر بمظهر المتهور. يقول المثل "يعرف السمك الفاسد من رائحة رأسه" "وخط المحراث المائل من الثور الكبير". فعندما يعرف الإنسان في مجال الإدارة كيفية تجنب الأوضاع غير المنتجة والضارة فلن تجد لها مكاناً في المؤسسة أو المعمل.

إن كثير من الأخطاء في مجال الإدارة تنتج عن السلوك الاندفاعي. إن غالبية الناس لا تقصد إساءة استخدام تأثيرها أو السلطة، إنهم لا يسعون إلى أن تتجاوز المصاريف الأرباح و لا أن يمدوا أيديهم إلى الصندوق أو إلى أن يختلسوا الأموال بطريقة أو بأخرى. ولكن الفرص هي التي تصنع السارقين. و" المال السائب يعلم الناس على السرقة". وأولئك الذين يفشلون هم الذين لا يستطيعون ضبط دوافعهم. أولئك الذين لا يستطيعون أن يتحكموا بأنفسهم ويضبطوا انفعالاتهم ومن ثم  لا يستطيعون أن يقولوا لا.

    وفي سوق العمل ما زال الناس يجهلون أهمية الضبط الانفعالي للنفس: فقد جرت العادة اعتبار أن القادة الحقيقيون هم أولئك الذين يكونوا مندفعين "حامين كالنار"، وانفجارات غضبهم يتم تقييمها للأسف- على أنها سمات قيادية من الحماسة الدافعية وغضبهم دائماً "في سبيل المصلحة العامة". وتسهم وسائل الإعلام بتشويه الصورة  من خلال عرضها للمدراء في الأفلام بأنهم عصبيون باستمرار ويصرخون في وجه من هب ودب ويخنون السجارة تلو الأخرى، ولا يستطيعون الحفاز على مواعيدهم، ولا يقابلون أي شخص مهما كان..الخ غير أن الواقع يبدو مختلفاً فعندما يصل مثل هذا الإنسان إلى القمة فإن اندفاعيته وعدم قدرته على ضبط نفسه ستعمل ضده، وتدمره إن علاجلاً أو آجلاً. فقد أظهرت الدراسات العلمية أنه لا توجد أية شخصية قيادية ناجحة تمتع بنمط من "الانفعالات السلبية" والنقص في الذكاء الانفعالي. ففكر معي عزيزي القارئ كم شخصية قيادية ناجحة في وطننا العربي؟!! من إنتاجيتهم وأداءهم يعرفون….!

الدافعية

تعتبر الدافعية والقدرة على الإنجاز واحدة من السمات الأساسية التي تميز رجال الأعمال الواقعين في أعلى السلم المهني. فكثير من الناس يكونون مندفعين من خلال مثيرات (مغريات) خارجية كالدخل المرتفع أو اللقب أو المركز الاجتماعي أو كونهم عضو في مؤسسة ما مشهورة…الخ. أما الأشخاص الذين يمتلكون قدرة قيادية مرتفعة فإنهم يكونون مدفوعين داخلياً. إنهم يطمحون للنجاح بهدف النجاح وليس لأي هدف مادي أو معنوي آخر.

فكيف يمكننا التعرف إلى أن هذا المدير مدفوع داخلياً أم أنه مندفع بسبب الميزات والمكتسبات المادية أو المعنوية التي يحصل عليها؟

يعد العمل أهم دلالة. فهؤلاء الأشخاص المدفوعين داخلياً يبحثون عن التحديات الخلاقة و يكونوا منفتحين دائماً على التجديد ولا يكونون راضين إلا عندما يتم إنجاز العمل وهمك قادرون على إنجازه بالطريقة المناسبة والوقت المناسب.

التعاطف

يعد التعاطف أو التفهم المتعاطف من أكثر أبعاد الذكاء الانفعالي بديهية، وتعد جانباً مهماً في العلاج النفسي الناجح، و تم اكتشاف فائدتها حتى بالنسبة لكل أوجه العلاقات الإنسانية. لقد خبرنا جميعنا في مجرى حياتنا تعاطف معلم أو صديق وتعلمنا تقدير أهمية مثل هذا التعاطف. كما يعرف كل واحد من كم هو مؤلم الشعور بالإهانة من قبل مدير أو مسؤول غير حساس.

ولكن عندما يتعلق الأمر بالعمل فإنه لا يتم مدح الناس لقدراتهم التعاطفية ولا يتم تشجيعها. فحتى المصطلح يبدو أنه لا علاقة له بالعمل و"السوق" وغير متناسب مع طبيعة السوق الصعبة.

   و التعاطف ليس له أية علاقة على الإطلاق بالفلكلور النفسي السطحي القائل: "أنا بخير،  أنت بخير". فبالنسبة لشخصية قيادية لا يعني التعاطف، تقبل مشاعر الآخرين ببساطة أو أنك تريد أن تحظى بإعجاب شخص ما. فهذا سيكون كابوساً اقتصادياً أو سياسياً ، يدمر كل قدرة على التصرف واتخاذ القرار.  التعاطف يعني احترام مشاعر الآخرين. ويعد التعاطف اليوم كصفة من صفات القيادة مهم لأسباب ثلاثة. بسبب الأهمية المتزايدة للمجموعات والعولمة وتنمية الكفاءة المؤسسية والشخصية. 

      ويعد العمل الجماعي أو عمل الأقسام سلة الشيطان المملوءة بالانفعالات الكامنة والواضحة. ومن يريد قيادة مجموعة عليه أن يسعى نحو أن يشد الجميع نحو هدف واحد، الأمر الذي يكون صعباً حتى بين شخصين اثنين. وحتى ضمن المجموعات الصغيرة المؤلفة من أربعة أو خمسة أشخاص تتشكل جماعات أو ما يسمى بالعامية "عصابات"  ويلاحظ وجود الصراعات بشكل يومي بينها. ومن ثم على المدير الذكي انفعالياً أن يفهم "طموحات" كل "لاعب" وأن يقوم بالتنسيق بينها. وهو ما تحقق لمديرة مؤسسة إعلامية كبرى، عندما تولت إدارة قسم يعاني من صعوبات. فقد كانت المجموعة غارقة في صعوبات كبيرة ولم تستطع إنجاز المطلوب منها أو أنها كانت تنجزه ببطء ولم تحافظ على مواعيد التسليم. وكانت الأمزجة متوترة جداً ومرهقة. واستطاعت المديرة القادرة على التعاطف من فهم الكيفية التي يقيم فيها كل فرد من الأفراد زملاءه الآخرين وحاولت من خلال محادثات ثنائية إيجاد ما الذي يحبط كل واحد من الأفراد، وفيما إذا كان يشعر الفرد بأنه يتم تجاوزه. بعد ذلك قادت المجموعة باتجاه جعلها تشعر وكأنها وحدة. فقد شجعت أفرادها على الحديث بصراحة عن إحباطاتهم ومشكلاتهم ودعمتهم بصياغة انتقاداتهم بشكل بناء. وقد أثمر الذكاء الانفعالي: فقد قوي التعاضد بين أفراد المجموعة وتجدد "الماكياج" الانفعالي وتحولت المجموعة إلى مجموعة ناجحة، بل وأصبحت الأقسام الأخرى تطلب النصيحة منه، وتحول هذا القسم إلى علامة بارزة في المؤسسة التي كلها.

وحتى العولمة تجعل من  التعاطف أمراً ضرورياً في عالم العمل. وبشكل خاص في العلاقات  بين الثقافات المختلفة. إذ يمكن أن يحدث كثير من سوء الفهم في التواصل نتيجة الجهل بعادات وتقاليد الثقافات الأخرى. وهنا يلعب التعاطف دوراً فاعلاً. فالأشخاص المتعاطفون يستطيعون فهم الفروق الثقافية بشكل أفضل ويستطيعون تنمية إحساس دقيق للغة الجسد عند الآخرين الذين تختلف لغة جسدهم عن لغة جسدنا إلى حد ما.

ولعل المثال التالي حول الاستجابة العفوية والتعاطفية لمستشار شركة أمريكي مع زبائن يابانيين يوضح ذلك. فقد كان فريقه التابع له معتاداً أن يتم غمره بالأسئلة أثناء المحادثات مع الزبائن الأمريكيين. ولكن هذه المرة تم استقبالهم من قبل اليابانيين بصمت طويل. وفسر بعض أعضاء الفريق الأمريكان هذا السلوك على أنه احتقار لهم وأرادوا الانسحاب. غير أن مستشارهم أشار عليهم بالبقاء. وعلى الرغم من أنه لم يكن على معرفة كافية بالثقافة اليابانية، إلا أنه لم "يقرأ" على وجوه ووضعية اليابانيين  أي صد،  بل وجد أنهم مهتمين. وكان على حق. فعندما بدأ رئيس الفريق الياباني بالحديث ظهر أنه مهتم جداً بالصفقة وتم عقدها.

وأخيراً تلعب المهارات التعاطفية دوراً كبيراً في تنمية الكفاءات الذاتية في داخل المؤسسة وفي تطوير العاملين الجيدين و الحفاظ عليهم.

الكفاءة الاجتماعية

تساعد الأبعاد الثلاثة الأولى من الذكاء الانفعالي، أي وعي الذات وضبطها والدافعية إدارة الذات أو توجيهها، أي أنها تجيب عن السؤال: كيف يتعامل الإنسان مع نفسه؟. أما التعاطف والكفاءة الاجتماعية فإنهما يجيبان عن السؤال كيف يبني الإنسان علاقاته بالآخرين. ولا يمكن تصور الذكاء الانفعالي دون الكفاءة الاجتماعية. فالناس لا يمكنهم بناء علاقات جيدة إلا إذا استطاعوا أن يفهموا مشاعرهم الخاصة وأن يتعاطفوا مع الآخرين في الوقت نفسه. والأشخاص الذين يتمتعون بكفاءة اجتماعية يكونون محبوبين وناجحين. والشخصيات القيادية التي تتمتع بكفاءة اجتماعية تستطيع أن تقود الناس بشكل جيد وتمتلك قدرة على الإقناع، لأنهم يربطون بين وعي الذات  وضبطها مع قدراتهم التعاطفية. فالمتواصل الجيد هو الذي يعرف متى يتحدث مع شركاءه في التواصل انفعالياً ومتى يكون موضوعياً.

وعلى عكس أبعاد الذكاء الانفعالي الأخرى تحتل الكفاءة الاجتماعية وظيفة مركزية في القيادة الناجحة. والمدير الذي لا يتصرف بشكل تعاطفي و لا يمتلك مشاعر تعاطفية مع الآخرين  لا يستطيع كذلك تنمية كفاءات اجتماعية وبالتالي سوف يفشل إن عاجلاً أو آجلاً. وحتى  الدافعية الداخلية والطموح نحو النجاح لا يفيدان لأنهما لا يمكن لهما أن يدفعا للالتزام. غير أن توفر الكفاءة الاجتماعية معهما هو الذي يتيح للشخصيات القيادية ممارسة ذكائها الانفعالي.

 

الأبعاد الخمسة للذكاء الانفعالي

 

وعي الذات:

قدرة إنسان ما على تقبل مزاجه ومشاعره و حاجاته وفهمها، والقدرة على تقدير تأثيرها على الآخرين.

سمات وعي الذات: الثقة بالنفس؛ التقدير الواقعي؛ المزاح الساخر مع الذات (التنكيت مع الذات).

ضبط الذات (أو توجيه الذات):

هو القدرة على السيطرة على اندفاعات الغضب السريعة أو على المزاج أو القدرة على تحويلها؛ هو الميل نحو ترك الأحكام تنضج والتفكير بتأن قبل أن يتصرف الإنسان.

سمات ضبط الذات: الصدق أو الموثوقية، الانفتاح على التغيرات؛ القدرة على التعامل مع المواقف غير الواضحة أو المتعددة الأوجه.

الدافعية:

القدرة على التحمس للعمل، وعلى السعادة بغض النظر عن المادة أو المركز. أو القدرة على متابعة الأهداف بشغف ومثابرة.

سمات الدافعية: القدرة المرتفعة على الإنجاز، التفاؤلي، حتى وإن لم يتحقق أمر ما مرة؛ التماهي مع المؤسسة.

التعاطف: القدرة على فهم مشاعر الآخرين والاستجابة طبقاً لذلك.

السمات: التعرف على قدرات الآخرين وتنميتها؛ حساسية عابرة للثقافة.

الكفاءة الاجتماعية:

القدرة على إقامة الاتصال وبناء علاقات مثمرة؛ الالتزام بالعلاقات الجيدة والعناية بشبكة من العلاقات.

السمات: المعرفة كيف يكسب الناس الآخرين؛ القدرة على بناء فريق العمل وقيادته؛ القدرة على الإقناع.

 


 

 

 

للخلف