الحزن

10/08/2013 09:58

الحزن

أصبح الحزن ظاهرة غير متناسبة مع عصرنا الراهن. فالإنسان العصري الفاعل و الديناميكي و الناجح لم يعد يعرف الحزن. إلا أنه قد تكون لهذا الاتجاه عواقب وخيمة. فليس هناك من إنسان محمي من القدر المحتوم. ومن يقوم بكبت الحزن بوصفه استجابة طبيعية و مفيدة، عليه أن يتوقع حصول اضطرابات روحية و اجتماعية نفسية وحتى جسدية طويلة الأمد، أي اضطرابات نفسية جسدية على الأغلب.

مراحل الحزن

وعلى الرغم من أن الحزن يمثل إرهاقاً مكثفاً و مؤلماً عاطفياً، فإنه يفترض أن يتم تجاوزه من خلال "عمل الحزن" المنتظم. و الحزن ليس مرضاً، على الرغم من أنه يمكن أنه يستمر لفترة أطول مما يرضى المحيط به بشكل عام. و هنا يمكننا التفريق بيم أطوار متعددة:

  1. المرحلة الأولى: لا يريد فيها الإنسان تصديق أي شيء، كأنه موجود في كابوس مرعب ويريد الاستيقاظ منه. يبدو الإنسان وكأنه متحجراً.
  2. المرحلة الثانية: في المرحلة الثانية تنفجر أنواع مختلفة من الألم والغضب (من تركه لوحده على سبيل المثال)، و القلق، والحنق، ومشاعر ذنب و البحث عن المذنبين، و لكن الحب و الاشتياق المعذب، وأحياناً أيضاً الفرحة بمرحلة حياتية جديدة، وهو ما يقود من جهته إلى استثارة مشاعر الذنب. وكلما كانت المشاعر التي سمح بها المرء حتى الآن أقل، كانت هذه المرحلة أصعب. وهي تتجلى بشكل خاص في اضطرابات النوم المتزايدة و الاستعداد الخاص للأمراض المعدية و حتى الحوادث و أحياناً من خلال محاولات العلاج الذاتي من خلال الكحول و الأدوية على سبيل المثال التي قد تنحرف عن سكتها في بعض الأحيان.
  3. المرحلة الثالثة: في المرحلة الثالثة لا يعود المحزون قادراً على  التفكير بشيء آخر غير مصيبته التي أحلت به. وفي أثناء هذا الوقت ينسحب و ينشغل بنفسه وألمه. و يمكن لهذا أن يقود إلى مثلنة الماضي، أي المبالغة بإضفاء صفات مثالية خالصة على الماضي، إلا أن الواقع يعيده ثانية. ويتم بالتدريج تقبل الواقع.
  4. المرحلة الرابعة: في المرحلة الرابعة يعود المعني للتحرك ثانية تجاه العالم و الناس. و هذا يستثير أيضاً مشاعر متناقضة: فكل شيء يعاش ويُعمل بشكل أكثر وضوحاً ومكثفاً، لا يريد أن يفوته شيء. من ناحية أخرى يمتلك المرء الخوف من العلاقات الجديدة كي لا يعود فيدفع الثمن بالحزن مرة أخرى.

 

عملية الحزن

عملية الحزن أو سيرورة الحزن، هي عملية فردية ومن الصعب تحديدها. حتى أن "عام الحزن" الذي يسود في كثير من البلاد يبدو في كثير من الأحيان قصيراً. كما أنه من شأن الألم ألا يظهر في البداية في اشد صوره، وإنما بعد أشهر عديدة من الفقدان. إلا أنه وبالتحديد وفي أثناء هذا الوقت تبدأ مشاركة المحيط بالبهتان بشكل واضح. فالناس تريد، علناً أو بشكل خفي، أن يعود المرء لمجرى حياته اليومية. إلا أنه يمكن لبعض مراحل الحزن أن تنفجر دائماً وإن كانت بشكل أقصر.

الإشراف على المحزون

تعد مرافقة المحزون ورعايته أمراً أصعب مما يمكن تصوره. وقد سيرتكب المرء هنا بشكل خاص الكثير من الأخطاء تسبب المزيد من الإرهاق للمحزون. و في كل الأحوال لا يجوز للمرء محاولة أخذ الحزن من المحزون، كما عليه أن يقيس الأمور بمقاييسه الخاصة، وبشكل خاص في سن الشباب و سن العمر المتقدم. فغالباً ما يتم الاعتناء بالمحزونين بشكل خطأ، ليس فقط مضمونياً و إنما أيضاً زمنياً، أي الكثير جداً في البداية و القليل في مجرى الوقت اللاحق من المعاناة. حتى ان المرء يشعر بعد بضعة أسابيع أو أشهر أن المحزونين مرهقين. إذ يرى المحيط أنه آن الأوان للمحزونين أن يتجاوزوا حزنهم. و بهذا ينزلق المحزون تحت الضغط من كلا الجانبين، /ن جانب ألمه الذاتي و من مطالب المحيط. وهنا يمكن للمرء أن يرتكب الكثير من الأخطاء. لهذا فإنه من المهم الانتباه إلأى بعض الملاحظات السلوكية.

ملاحظات سلوكية عما يمكن فعله

  • عدم محاولة أخذ الحزن من المحزون. وهذه المحاولة تعد على الأغلب محاولة تأثير أناني من أجل التخفيف عن الشخص المواسي.
  • الانتباه لدى المعني سنوات الشباب وسنوات العمر النتقدمة، فهاتان المرحلتان مرحلتان حساستان جداً يكمن فيهما خطر الانتحار.
  • عدم قياس الأمر بالمقاييس الذاتية للمواسي. فالأمر لا يتعلق بما يعتبره الإنسان أمراً "محمولاً" أو "قضاء الله وقدره"، وإنما بمدى عرض "الكتفين اللذين عليهما تحمل نائبة الدهر" هذه".
  • عدم محاولة تقصير عملية الحزن زمنياً أو تحديدها زمنياً. فالقرار تتخذه قدرة المعني على تحمل الإرهاق نفسها.
  • إعطاء المحزون الفرصة للتعبير عن مشاعره. فمن "يضبط" نفسه، يريح الآخرين، ولكن ذلك يكون مؤذياً لعملية الشفاء؛ ولكن هذا لا يعني بأن المحزون أنه على  المحزون أن يحزن "بشكل هادف" على حساب محيطه، وهو ما يحصل أحياناً.
  • تجنب النصائح الخطأ من نحو "لا تبخل على نفسك بالاستمتاع" على سبيل المثال، و المناشدات غير المفيدة من نحو "بالله عليك اضبط نفسك"، و بعض أنواع القوالب الفارغة من نحو "احمد الله على أن المصيبة لم تكن أعظم"، أو "احمد الله أن الأمور سارت هكذا". إذ علينا هنا أن نفرق بين عمل الحزن و بين تقبل المصيبة على أن ها قضاء وقدر من الله سبحانه وتعالى، وأن الموت محتم على الإنسان. فتقبل المصيبة جزء من عمل الحزن، وليست الحزن كله.
  • عدم المواساة السطحية أو بلع الخسارة، وإنما المشاركة بالمعاناة أو بالمصيبة بتفهم صامت. فمجرد الوجود و الاهتمام الصامت غالباً ما يعني أكثر من الكلمات.
  • الانتباه لنهايات الأسبوع و أيام الإجازات والعطل و بشكل خاص "السنويات" (الذكرى السنوية)، لأنها تحمل دائماً خطر انفجار مشاعر الوحدة و التذكر و العودة للماضي.
  • بعض الاهتمام، عن طريق الاتصال الهاتفي و الزيارات القصيرة أو الرسائل الهاتفية و الاليكترونية...الخ يوحي بالصلة والمودة وقت الحاجة و تمنح مواساة أكثر مما يعتقد البعض.   
  • المشاركة الوجدانية مع أشخاص مروا بعملية الحزن بصورة ناجحة تفيد كذلك.
  • توقع وجود مرحلة طويلة من الصدمة في الموت المفاجئ أو المأساوي أو العنيف، والحذر هنا من الاستجابات العنيفة المفاجئة وخصوصاً لدى الشخصيات غير المستقرة.
  • و الصبر ثم الصبر ثم الصبر والاستعداد لعدم العدوى بالحزن.

الأدوية في استجابات الحزن

يمكن لعمليات الحزن أن تكون منهكة ومضنية ومؤلمة، وبشكل خاص في البداية و على المدى البعيد. ومع ذلك لا بد من التحفظ في استخدام الأدوية. فالأفضل هو المواساة و الدعم طويل الأمد و الرعاية الهادفة إذا كان ذلك ممكناً.

ولكن إذا كان لا بد من استخدام الأدوية كالمنومات على سبيل المثال فلابد من استخدامها لوقت قصير فقط و عند الحاجة. و ينبغي الحذر في وصف المهدءات  من نمط البنزوديازيبانات على سبيل المثال. فعلى الرغم من أنها أن تهدئ فعلياً، إلا أنها يمكنها أن تكبح  التأثير الفاعل للصدمة. وبهذا يضطرب عمل الحزن و يمكن أن يجعله يطول. بعئذ لابد لاحقاً من إعادة هذه المرحلة من عمل الحزن التي عطلت بالدواء.

و حديثاً يناقش العلماء الدعم الدوائي بالأعشاب ذات التأثير النفسي، كعنب الذئب، و البالدريان  Baldrian  و حشيشة الدينار و المليسة...الخ. ويبدو أنها إذا ما تم أعطائها بجرعات عالية و لفترة طويلة، تسهل حدوث عمل الحزن، و إعاقة الانزلاق في اكتئاب و المهم هنا عدم منع عمل الحزن.

الاكتئاب والحزن

يتشابه الحزن والاكتئاب في أعراض ونقاط مشتركة كثيرة. ويعد التفريق بين الحزن والاكتئاب على درجة كبيرة من الأهمية. فالحزن استجابة طبيعية على نوائب الدهر. أما الاكتئاب الذي يحمل قيمة مرضية  فهو مرض أو اضطراب يحتاج إلى العلاج الهادف. و يمكننا التفريق بين الحزن والاكتئاب الذي يحمل قيمة مرضية.

  • عندما يستمر التكدر على شكل هبوط في المزاج بشكل لا ينقطع و لأكثر من عدة أيام أو لأسابيع أو حتى لأشهر. وهذا الأمر لا ينطبق دائماً إذ هناك استجابات حزن تستمر فترات طويلة جداً، وبشكل خاص في سنوات العمر المتقدمة.
  • أما العلامة المميزة فهي عندما لا يعيش المعني هذه الحالة على أنها مجرد معذبة و إنما غريبة إلى حد ما و لا يمكن تحريكها.
  • إذا ما ترافقت بمشاعر مسيطرة من الذنب والعجز (عدم الصلاحية)، بمعنى عدم الاستطاعة مع وجود الرغبة، مع إهمال لا مبالي للذات مع رغبات جدية بالموت و أفكار انتحار ملموسة.
  • إذا لم يتم التمكن من تخفيفها من الخارج بالطرق المألوفة أي من خلال الاتصالات الاجتماعية. فحتى أسعد الأخبار لا يمكن أن تحرك الاكتئاب وبشكل خاص على المدى البعيد.
  • عندما تصبح الحالة ضاغطة إلى درجة أنه لا بد للمعني من مراجعة المتخصصين. وهذه الملاحظة قد تبدو عادية إلا أن ها عامل تفريق حاسم. فالإنسان الحزين لا يذهب للطبيب بسبب حزنه.

 

للخلف