الانتحار والاكتئاب

18/08/2013 07:23

الاكتئاب والانتحار لدى الرجال من منظور أوروبي: حقائق وتناقضات ورؤى مستقبلية[1]

فولفغانغ روتس [1]  Wolfgang Rutz   ترجمة: سامر جميل رضوان [2]   Translator:  Samer Rudwan

خلاصة

تقل توقعات الحياة للرجال في أوروبا  عن  التوقعات الحياتية للنساء بـ 5 إلى 25 سنة. وربما يرتبط هذا/ جزئياً على الأقل، بأن الرجال لا يلجئون للمساعدة الطبية مقارنة بالنساء إلا بمقدار النصف تقريباً. تبلغ نسبة الانتحارات التي تحصل في حالة من الاكتئاب الإكلينيكي بين 70-90% من بين الانتحارات ككل. غير أنه حسب رؤى الكتب التعليمية السائدة فإن الاكتئاب لدى الرجال أقل من الاكتئاب لدى النساء بكثير. وعلى الر غم من ذلك ينتحر الرجال الأوربيون وعلى سبيل المفارقة بنسبة تبلغ بين ثلاثة إلى عشرة أضعاف النساء. وتعد اليوم توقعات الحياة في أوروبا القصيرة جداً المرتبطة بذلك من بين عوامل أخرى، واحدة من أهم مشكلات الصحة العامة وبشكل خاص في بلدان التحول الاجتماعي العنيف. وإحدى التفسيرات لهذا ربما تكمن في أن الأعراض الاكتئابية لدى الذكور تختلف بوضوح عن تلك التي تظهر وتوصف لدى النساء. ويمكن للاكتئاب الذكوري أن يتجلى في صورة سلوك إكلينيكي "سيكوباثي" عدواني، مضاد للمجتمع، أو في سلوك إدماني أو كليهما، لا يتم التعرف إليها كاكتئاب. أما الأسباب المهمة لهذا فهي الصورة غير النموذجية للاكتئاب مع التكتم الذكوري وقلة البحث عن المساعدة. وتتمثل الطرق الواعدة لمكافحة الاكتئاب لدى الرجال  في التدريب النوعي المستمر للأطباء  وللعاملين في رعاية المرضى والمساعدين الاجتماعيين المحترفين بهدف التعرف المبكر على الاكتئاب وعلاجه، من جهة، ومن جهة أخرى الاطلاع العام المتزايد ونقاش الصورة الذكورية للاكتئاب في إطار الرعاية الطبية العامة.

Kurzfassung: Die Lebenserwartung von Manänern in Europa ist 5-15 Jahre niedriger als die von Frauen. Dies mag zumindest teilweise dadurch bedingt sein, dass Manner allgemein im Vergleich zu Frauen nur halb so oft medizinische Hilfe suchen. 70-90%  aller Suizide werden in einem Zustand klinischer Depression begangen. Nach vorherrschender Lehrbuchmeinung treten Depressionen bei Männern jedoch nur halb so haufig auf wie bei Frauen. Trotzdem nehmen sich europaische Männer paradoxerweise 3-10x haufiger das Leben. Die unter anderem damit zusammenhangende, stark verkürzte Le-benserwartung der Männer in Europa ist heute eines der wichtigsten Probleme öffentlicher Gesundheit, vor allem in Ländern dramatischen sozialen Umbruchs. Eine Erklarung hierfür könnte sein, dass sich depressive Symptome bei Männern deutlich von denen unterscheiden, die von Frauen gezeigt und berichtet werden: Männliche Depressivität kann sich in einem aggressiven, antisozialen, ,,psychopathischen" klinischen Bild und/oder in einem Suchtverhalten manifestieren, das nicht als Depression erkannt wird. Wichtige Ursachen dafür sind das atypische Depressionsbild zusammen mit männlicher Alexithymie und ein Mangel an Hilfesuche. Erfolgversprechende Methoden, Depression bei Männern anzugehen, sind einerseits die spezifische Weiter-bildung von Ärzten und Krankenpflegepersonal, aber auch professioneller sozialer Helfer mit dem Ziel, männliche Depressionen früher zu erkennen und zu behandein, andererseits eine steigende offentliche Kenntnisnahme und Dis-kussion

Abstract: Depression and Suicide in Males - a European View. Facts, Paradoxes. Perspectives. In Europe, men's life expectancy is between 5 and 15 years lower than that of women. This might partly be related to the fact that men in general consume medical services only half as often compared to women. Up to 90  of all suicides are committed in a state of a major psychiatric disorder, most often depression. According to the present doctrine, depression in males is only half as often prevalent as in females. Paradoxically, however, men commit suicide 3-10 times more often than women in spite of being diagnosed only half as often as

women as clinically depressed. Male premature mortality reflected even in excessive male suicidality is today one of Europe's most important public health problems, especially in European countries and populations of dramatic social transition. An explanation seems to be that male depressive symptoms are different from those reported by females, mainly because of men's alexithymic difficulties to recognize and report their own depressive symptoms. In addition, male depression often is manifested by abusive, destructive, and/or antisocial behavior. Moreover, in the case of suicidality, males more frequently use violent, decisive, and lethal methods. Training of social and healthcare workers in earlier and better detection of male depressive and often very suicidal conditions including the use of screening instruments such as the "Gotland

Male Depression Scale", a person-centered approach in suicide prevention as well as increasing public awareness for male depression are promising tools in the prevention of male suicide as an important public health problem. J Neurol

des männlichen Depressionsbildes im Rahmen öffentlicher Gesundheitsvorsorge.

  • أمراض الاكتئاب والأمراض المرتبطة بالتوتر والموت في أوربا: مشكلة من المعاناة النفسية الذكورية  والانتحارية

تقل توقعات الحياة للرجال في المناطق الأوروبية حسب بيانات منظمة الصحة العالمية عن  التوقعات الحياتية للنساء بـ 5 إلى 25 سنة. وتبدو الفجوة القائمة بين توقعات الحياة الذكورية والأنثوية هنا كمؤشر غير موثوق بالنسبة لإرهاقات التوتر المتزايدة في مجتمع ما [1،2]. ففي المفوضية الأوروبية يعد الاكتئاب  "القاتل السري لأوروبا Europe‘s unseen Killer " ويستنتج هنا أن "المجتمعات التي بنيناها تولد المعاناة النفسية" [3]. وتعد التصرفات المشحونة بالخطر والاكتئابات والمعاناة النفسية القائمة على الاكتئاب والموت المبكر المرتبط بالتوتر هنا مشكلة ذكورية في الغالب.

ففي بعض البلدان الأوروبية الشرقية والمتوسطة التي مرت في سنوات التسعينيات بتغيرات اجتماعية مأساوية وعميقة انخفضت خلال عقد من الزمن التوقعات الحياتية الذكورية بمقدار عشر سنوات تقريباً، في حين بقيت نسبة الإمراضية والموت الأنثوية بدون أي تغيير إلى حد ماً. وهنا كانت نسب الانتحار المرتفعة واحدة من أهم العوامل المساهمة في انخفاض التوقعات الحياتية الذكورية [5-7]. وتظهر هذه وتلك الخبرات للمنظمات العالمية في عصر الصراعات الاجتماعية بأن الذكور قد برهنوا على أنهم في الغالب أكثر حساسية من النساء في مجرى التغيرات المشحونة بالتوترات. إذ تبدو الإناث في عصور التغيرات الفردية والاجتماعية أكثر قدرة على المقاومة. بالمقابل تعكس الانتحارية الذكورية على ما يبدو  التوتر الاجتماعي، وغالباًَ أيضاً فيما يتعلق بالأدوار الاجتماعية المتغيرة مع فقدان المراكز في المجتمع وفي العمل وَكَربٍ للأسرة [1,8]. ويرتبط هذا بوضوح مع نسبة متزايدة من الموت بالمقارنة مع الإناث بمقدار 5-9 أضعاف بسبب العنف والسلوك المشحون بالخطر والحوادث وأمراض القلب والأوعية الدموية في بلدان أوروبا.

 

  • العوامل المحددة للصحة النفسية

هناك إجماع علمي وسياسي اجتماعي حول أهمية الشروط التالية بالنسبة للصحة والعافية النفسية والجسدية أيضاً:

  • الاستقلالية وتقرير المصير-أي غياب اليأس و السيطرة الخارجية.

  • الرابطة الاجتماعية والأهمية –أي غياب التغريب والتهميش والحرمان الاجتماعي

  • التجذر الوجودي والمعنوية –أي غياب فقدان المعنى والفراغ الوجودي.

  • الكرامة والمنزلة والاندماج-أي غياب فقدان ماء الوجه والإذلال والاحترام [9-12].

ومن المعروف من التجارب على الحيوان أن الأفراد الذكور والإناث يستجيبون بشكل مختلف على الإرهاقات الموترة [13]. ويبدو أن فقدان الأهمية الاجتماعية هنا أهم عامل خطر لدى النساء، في حين أن الرجال أكثر حساسية تجاه عوامل خطر من نحو فقدان المنزلة الاجتماعية والأسرية والمجتمعية وما يرتبط بذلك من فقدان للكرامة [8]. فالأفراد الذكور أكثر حساسية تجاه الانحدار الهرمي، في حين تستجيب النساء بشكل أكبر على فقدان الأهمية الاجتماعية والارتباط الأسري. ففي دراسة دنمركية أجريت في عام 2000 لحولي 800 ضحية انتحار وجد [1] أن البطالة والتقاعد والعيش وحيداً والنقاهة المرضية كانت من أهم عوامل الخطر بالنسبة للرجال أما بالنسبة للنساء بالمقابل فقد مثلت تربية الأولاد أهم عامل حماية.

وتظهر الخبرات العيادية، وكذلك الخبرات الملموسة من النشاط العالمي لمنظمة الصحة العالمية بأنه عند وجود تغيرات اجتماعية وفردية على حد سواء يستجيب الرجال أكثر ما يستجيبون على البطالة وفقدان القدرة على رعاية الأسرة وفقدان الكرامة الاجتماعية، في حين أن النساء، حتى في أوقات الأزمات، غالباً ما يحافظن على كفاءاتهن الحامية ويصنَّ الشبكة الاجتماعية لتولي المسؤوليات الأسرية ويخبرن المعنوية الوجودية وليحافظن على استمرارية آليات التحكم اليومية.

  • تناقضات الصحة العامة

يمكن اليوم بشكل خاص رؤية تناقضين اثنين للصحة العامة في أوروبا: الأول أن الرجال لا يلجئون كثيراً في الغالب إلى الرعاية والمساعدة الصحية والطبية، إلا أنهم يموتون أبكر من  النساء بخمس سنوات (دول الاتحاد الأوروبي) حتى 15 سنة (الاتحاد الروسي) [2]. ويبدو أن هذا الموت المبكر مرتبط هنا بالفروق  المتعلقة بالجنس في الاكتئاب والسلوك الانتحاري.

فمن المبرهن أن 70-90% من الانتحارات ككل تنتج  في حالة من الاكتئاب الإكلينيكي وعن إدراك للواقع الاكتئابي  "المتشائم"، والانفعالي والاستعرافي أيضاً المنبثق عن ذلك [14]. وعلى الرغم من أنه لايتم تشخيص الاكتئاب لدى الرجال بمقدار كبير مقارنة بالنساء، فإن عدد الرجال الذين ينتحرون يبلغ بين 3-10 أضعاف على سبيل المفارقة [7,15,9].

بالمقابل تحدث محاولات الانتحار لدى النساء بشكل أكبر من الرجال. وهناك تفسير جزئي لهذا يكمن في أن الرجال غالباً ما يستخدمون طرقاً عنيفة وقاتلة في الأفعال الانتحارية المنفذة. وبعد أن أصبحنا نعرف بأن الانتحارية الاكتئابية بالتحديد تتميز بطرق عنيفة، فإن التفسير يكمن في عدم اكتشاف ومعالجة الاكتئابية الذكورية. بالمقابل فإن الانتحارية النسائية غالباً ما تأخذ طبيعة أقل مأساوية وتكرارية "نداء استغاثة Cry for help" ومن هنا يمكن في بعض الأحيان اعتبارها كوقاية انتحارية suicide preventive.

وهناك اليوم دليل إكلينيكي وإمبيريقي على أن انتشار الاكتئاب المشخص يرتبط مع تكرار الانتحارات المنفذة بشكل عكسي. [21,22]. ويبدو هذا متناقضاً مع معارفنا الراهنة حول وجود ارتباطات نوعية وسببية بين الاكتئاب والانتحار، التي قد تفترض ارتفاع للانتحارات مع ارتفاع أمراض الاكتئاب. ويمكن تفسير هذا "التناقض المشهدي الأولي primavista Paradox" [23] بأنه وحده الاكتئاب المعروف بشكل كاف يقود لعلاج مناسب، وهذا بدوره يمكنه أن يمنع الانتحار الناجم عن الاكتئاب. وطبقاً لهذا تظهر الأبحاث الهنجارية والخبرات الإكلينيكية بأنه في المناطق التي لا يتوفر فيها سبر كاف للاكتئاب بسبب النقص النوعي والكمي في الرعاية الصحية الطبية النفسية أو الطبية العامة أو كليهما فإن الانتشار المنخفض إحصائياً للاكتئاب المشخص يرتبط بالانتحارية العالية-وهي خبرة لابد من أخذها بعين الاعتبار عند تفسير الانتشار المنخفض للاكتئاب لدى الرجال ونسب انتحارهم العالية، وتتفق مع نتائج دراسة غوتلاند السويدية [22,24,27]

  • أعراض الاكتئاب الذكوري والانتحارية: أيحتاج لتشخيص خاص  بالجنس؟

غالباً ما يتم السهو عن الاكتئاب الذكوري أو لا يتم التعرف عليه ومن النادر أن يتم علاجه. وغالباً ما تكمن الأسباب في التغطية الإكلينيكية من خلال سوء الاستهلاك أو السلوك الإدماني واستهلاك العقاقير وضعف التحكم بالنزوعات والعدوانية الاندفاعية وحتى في الأسرة الأمر الذي غالباً ما قد يقود إلى تشخيص منقوص أو خاطئ لاضطرابات الشخصية أو السيكوباثيا أو أمراض الإدمان [22,28] ويبدو أن الأعراض الاكتئابية الذكورية تختلف عن الأعراض الاكتئابية التي يتم وصفها في الغالب لدى النساء. وبما أن المحكات التشخيصية لمرض اكتئابي بالشكل الذي تحتويه غالبية مقاييس الاكتئاب، تقوم من ناحيتها في الغالب على متغيرات وصف الذات، وأن الرجال من النادر أن يذكروا أعراض الاكتئاب، فإن الأدوات التشخيصية المتوفرة غالباً ما لا تكون كافية من أجل التعرف على الاكتئابية "اللانوعية النموذجية typical atypical "  الذكورية ولإجراء علاج [23].

بالإضافة إلى  ذلك تظهر دراستان جائحيتان واسعتان بوضوح بأن الرجال المكتئبين غير المعالجين يصفون مزاجهم الاكتئابي والأعراض الأخرى للاكتئاب بشكل أندر من النساء. كما وجدت إحدى الدراسات بالإضافة إلى ذلك [29] أن الرجال يواجهون حالتهم الاكتئابية الإكلينيكية بشكل مختلف عن النساء –من خلال النشاطات الرياضية أو استهلاك الكحول أو السجائر- في حين أن النساء بالمقابل يبحثن أكثر عن الاسترخاء الانفعالي أو يقرأن أو ينشطن دينياً. وتعد النسبة الغالبة من استهلاك الكحول والسلوكات الإدمانية الأخرى لدى الرجال فيما يتعلق باليأس والاكتئاب مؤشراً آخر على التداوي الذاتي مع غياب عروض العلاج والمساعدة النوعية، مع العلم أن استهلاك الكحول من جهته قد يقوي الحالة الاكتئابية المُحَرِّضة. [30،31].

  • الانتشار الضئيل للاكتئاب لدى الرجال: أهو مصطنع؟

لدى "سكان الآمش" الأمريكيين الذين يتمسكون بشكل محافظ بالمعتقدات والتصرفات التقليدية يعد السلوك الإدماني و استهلاك الكحول وأعمال العنف وصمة صارمة ومستنكر بشدة [23]. وتشبههم في ذلك المجموعات السكانية اليهودية الأرثوذوكسية من الأمريكيين والإسرائيليين حيث يعد استهلاك الكحول والعنف الجسدي محرماً [33]. ومن المثير للاهتمام أن انتشار الاكتئاب في هذه المجتمعات يتساوى بين الذكور والإناث ونسبة الانتحار لدى الجنسين منخفضة بالدرجة نفسها.

ومن ناحية أخرى ففي البلدان الأوروبية التي ينتشر فيها استهلاك الكحول والسلوك الإدماني بكثرة ولايتم وصمه بدرجة كبيرة إلى حد ما فإن انتشار الاكتئاب لدى النساء أعلى بمرتين إلى ثلاثة مرات من الرجال. ومن جهة أخرى فإن تكرار الانتحار الذكوري في هذه المجموعات  أعلى بثلاث مرات مما هو الأمر لدى النساء [7,18,19,29]. ونسبة إدمان الكحول الذي يمكن أن يغطي الاكتئاب، أعلى بعشر مرات لدى السكان الروس من الذكور مما هو الأمر عليه لدى النساء. في حين أن نسبة انتحار الرجال مقارنة بالنساء تبلع 1/6 إلى 1/9 [5،7] وقلما يتم تشخيص الاكتئاب لدى الرجال في هذا البلد. ويوضح هذا من ناحيته أن التشخيص غير الكافي للاكتئاب لدى الرجال ينعكس في النسب العالية من الانتحار.

  • الأسئلة التالية تبدو مبررة!

هل الذكور المكتئبين في أوروبا اليوم، كما ظهر في هنجاريا أقل تشخيصاً وعلاجاً، ومن هنا فإنهم، بشكل لا لزوم له، انتحاريين بدرجة كبيرة ويعانون من عواقب أخرى لنمط حياة اكتئابي وغني بالمخاطر ومدمر للنفس؟ هل يمكن تفسير التكرار الذي يبدو مرتفعاً للاكتئاب لدى النساء من خلال التشخيص والعلاج غير الكافيين للاكتئابات الذكورية وهل هي بوصفها كذلك نتاج مصطنع؟ هل يمكن هنا تحقيق حل للمشكلة من خلال تحسين التشخيص والعلاج والمطاوعة للرجال المكتئبين؟

عموماً فإن تشخيص الحالات الاكتئابية التقليدية والنمطية غير كاف. فقد بلغ في عام 1991 حوالي 15% [34،35]. وحتى عندما أمكن تحقيق نوع من التحسن [36] فإن الأعراض الاكتئابية الذكورية النموذجية المختلفة في نوعها مازالت إلى حد كبير غير معروفة وغير معالجة، الأمر الذي يقود إلى مشكلات سواء بالنسبة للرجال المعنيين أم بالنسبة لمحيطهم الاجتماعي أم لأسرهم  أم للمجتمع أم لعملهم. يضاف إلى ذلك عدم القدرة  على سلوك البحث عن المساعدة المناسب و الميل الذكوري للتعويض عن  الضعف واليأس المحسوسين من خلال التفعيل (التمثيل)[4] acting out، أو المداوة الذاتية بالكحولية أو من خلال نظائر الإدمان كاللعب وسلوك القتال والرياضة المفرطة أو "إدمان العمل Workaholism" أو الجنس المفرط. فالرجال يكرسون  بدرجة كبيرة الوهم بأنهم قادرون على مواجهة أو معالجة اكتئابهم بأنفسهم وأنهم لا يحتاجون للدعم الاجتماعي والطبي على حد سواء. يضاف إلى ذلك وجود اتجاه سلبي في الغالب تجاه العروض الاجتماعية الداعمة والمنمية للصحة.

  • تقبل عروض المساعدة: حالة ليتوانيا

أظهرت ليتوانيا في أواسط ونهاية التسعينيات وحتى وقت قصير نسب انتحار – تعقبها دول أخرى من بحر البلطيق، وروسيا البيضاء وروسيا-، جعلتها على قمة الدول. وكانت الأسباب الدرجة القصوى من توترات التغيير الاجتماعي المترافق مع إرهاقات مأساوية في العوامل المحددة للصحة النفسية والجسدية الموصوفة سابقاً وبشكل خاص في ليتوانيا التي وجدت نفسها في تسعينيات القرن العشرين في تحول اجتماعي شديد وبما يشبه نوع من المختبر  الاجتماعي، وكانت النسبة العالية من الانتحار مترافقة بالكحولية الذكورية المرتفعة ودرجة ضئيلة من السلوك الباحث عن المساعدة ونسبة منخفضة من انتشار الاكتئاب المشخص والمسجل إحصائياً لدى الرجال. وكانت نسبة يصل مقدارها إلى 90% من الانتحارات من الرجال، وبشكل خاص في المناطق الريفية. وفي محاولة من الحكومة لتحسين هذا الوضع  بصورة مسؤولة تم إنشاء مراكز أزمات في البلد قريبة من المحليات، قدمت النصيحة والدعم والعلاج بشكل محترف وكانت مجهزة بالمتخصصين بشكل جيد نسبياً، وعملت إلى حد ما على مدار الساعة. إلا أن هذه الخدمات قد تم استغلالها بنسبة تبلغ حوالي (80%) من النساء، في حين ظلت نسب الانتحار لدى الرجال  وما يرتبط بذلك من مشكلات  على ماهي في جوهرها.

وهنا تتجلى واحدة من المشكلات الرئيسية للاكتئاب الذكوري والوقاية من الانتحار: فبالنسبة للرجال لم يتم تجهيز أو استغلال  ساحات مساعدة أو أماكن مقبولة بالشكل المرغوب من الرجال. فكما أظهرت دراسة غوتلاند الموصوفة لاحقاً لا يكفي مواجهة الاكتئابات الذكورية في إطار أنظمة الرعاية الطبية والاجتماعية السائدة –بل يجب الذهاب إليهم وعرض الخدمة بطريقة مقبولة بالنسبة للرجال، والذين غالباً ما لا يكونوا قد تعاملوا مع عروض المساعدة العلاجية النفسية التقليدية. ومن أجل هذا قد يكون من المهم تقبل البديهية التقليدية للذكورة من نحو المقدرة  الدائمة  والاستقلالية، التي نلاحظها مراراً لدى السكان المعنيين من المناطق الريفية و القريبة من الشواطئ –وليس هناك فقط-.  ويمكن هنا للنقابات والروابط الفلاحية ومنظمات الصيد والمصانع أو الروابط الرياضية أن تفتح هنا إمكانات جديدة. إلا أنه يبدو أهم من هذا كله الالتزام المستنير للأقارب والأصدقاء وبشكل خاص الأسرة لتقديم المساعدة المتوفرة أو توصيلها أو تحفيزها.

  • الانتحار والعدوانية والعنف

تشير الانتحارية الذكورية إلى ارتباط معقد بين الاكتئاب والانتحار وإهمال الذات العدواني الذاتي وأعمال العنف العدوانية تجاه الغير. وعليه فقد تضاعفت حالات النزاعات القاتلة والقتل في روسيا إلى تسعة أضعاف خلال التسعينيات، بالتوازي مع ارتفاع دراماتيكي شبيه من حالات الموت الناتجة عن التسمم بالكحول والحوادث وأمراض القلب والأوعية الدموية [39]. بالمقابل فما زال الانتحار نادراً في دول البلطيق المعرضة بشكل أشد للتوتر ، وبشكل خاص في الثقافات الإسلامية.   –وحتى في أوقات الإرهاق الاجتماعي والصراعات السياسية الداخلية والتوتر الما بعد صدمي الاجتماعي، كما هو الحال على سبيل المثال بعد الوضع الشبيه بالحرب الأهلية عند انهيار يوغوسلافيا. فهناك ارتفعت بدلاً من ذلك نسبة الموت بالأمراض الوعائية القلبية  والحوادث بشكل مأساوي، وغالباً بالتوازي مع ارتفاع الأنماط المختلفة لأعمال العنف والعدوانية.

وفي بلدان أمريكا اللاتينية فمن النادر أن يتم تشخيص الاكتئاب لدى الرجال وهو غير معروف كثيراً، في حين أن نسبة الانتشار لدى النساء أعلى بعشرة أضعاف. ومن ناحية أخرى يوجد في هذه البلدان ارتفاع كبير في انتشار القتل والعنف والكحولية –ولكن ليس الانتحارية- لتصل النسبة إلى عشرة أضعاف لدى الرجال مقارنة بالنساء [40]. وقد تم تأكيد العلاقة بين الاكتئاب والانتحار وسوء الاستخدام والإدمان والعنف بشكل واضح، سواء في تقرير منظمة الصحة العالمية 2001 [41] حول الصحة النفسية أم في تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2003 [42] حول العنف. فكلا التقريرين يظهران أن ارتفاع الانتحارية الذكورية أو الحدوث المتزايد للعدوانية والعنف الأسري والعنف الجنائي والإهمال المشحون بالمخاطر أو تهديم الذات يرتبط بوقوع الاكتئابية لدى الرجال ويمكن التأثير عليها بشكل إيجابي من خلال تحسين التشخيص والعلاج الملائمين والمتابعة طويلة الأمد.

  • ما العمل؟ خبرات دراسة غوتلاند

بين عامي 1983-1986 تم على جزيرة غوتلاند السويدية تطبيق برنامج تدخل للوقاية وتشخيص ومعالجة وتجنب العواقب طويلة الأمد للاكتئاب و محاولات الانتحار، شمل جميع الأطباء العامين تقريباً العاملين على الجزيرة [22،43]. وكان منطلق الحال الارتفاع الدراماتيكي للانتحارية على الجزيرة بسبب إعادة الفرز الطبقي الاجتماعي العميق الأثر الذي قاد إلى أعلى نسب من الانتحار في السويد. وفي هذا  الوضع بدأ  جميع الأطباء العامون على الجزيرة معاً  بالتعاون مع الأطباء النفسيين المحليين ببرنامج تأهيل لتشخيص وعلاج الاكتئابات، ونظائر الاكتئاب والوقاية الوقاية من الانتحار. وكانت من نتيجة هذا التدخل الانخفاض الكبير في عدد الانتحارات الكاملة ومحاولات الانتحار المأساوية، مترافقاً مع انخفاض الأمراض المألوفة القائمة على الاكتئاب، والإجازات المرضية ومراجعة الأنظمة المختلفة عموماً للرعاية الصحية.  إلا أن هذا التعديل الإيجابي لم ينطبق إلا على الجزء الأنثوي من السكان اللواتي انخفضت لديهن نسب الانتحار إلى النصف، أما نسبة الانتحار لدى الرجال فقد بقيت كما هي. 

وقد قاد تشريح نفسي أجرى لاحقاً لكل المنتحرين الذكور لعقد الثمانينيات بأن هؤلاء الرجال قلما اتصلوا بالنظام الصحي قبل انتحارهم. بالمقابل وجدت لديهم احتكاكات متكررة ومحبطة ومربكة بشكل متبادل في الغالب مع الشرطة والضرائب والخدمة الاجتماعية والرعاية الكحولية على الجزيرة.

وعند التحليل الدقيق لكل الانتحارات الذكورية في الثمانينيات وبداية التسعينيات أظهرت الاستقصاءات للجهات المختصة و للباقين وجود نمط نموذجي من اليأس والعدوانية والعجز عن طلب المساعدة وعن بث إشارات الضعف. وإكلينيكياً كانت هناك صورة أعراض التغير المفاجئ في الشخصية في كل الاتجاهات "السيكوباثية" مع عدم هدوء عام وعدم استقرار وعدوانية والرثاء للذات وعدم الرضا والتشتت وعدم القدرة على اتخاذ القرار ونقص في ضبط الدافع والتشاؤمية العامة ولدى الغالبية العظمى من الحالات سلوك إدماني كمحاولة للتداوي الذاتي. وفي الحالات النادرة التي حصلت فيها اتصالات علاجية تميزت بالسلبية وعدم الرضا و "عدم المطاوعة Non Compliance" [22،44,45].

وقد تم  تجميع  هذه الأعراض  في  "مقياس غوتلاند للاكتئاب الذكوري Gotland Male Depression Scale" والذي يرمز له اختصاراً GMDS، كأداة فرز إكلينيكية من أجل التعرف على الاكتئاب الذكوري "اللانوعية النموذجية" بشكل مبكر [22،44،45]. ووفقاً لتقويم علمي أولي للدراسة الأصلية 1994، التي أظهرت تراجعاً كبيراً في الانتحارية الأنثوية ، تم تقديم برنامج تأهيل متكرر بدورات منتظمة في التسعينيات. وقد أضيفت إلى هذا البرنامج الموجه ثانية إلى كل الأطباء العامين على الجزيرة، بالإضافة إلى موظفي الخدمات الاجتماعية  وبرنامج الإدمان، وحدات  module  حول الأعراض غير اللانوعية للاكتئاب الذكوري وإمكانات التعرف عليها وعلاجها. وكان برنامج التأهيل مرتبطاً في الوقت نفسه مع أنشطة إعلامية بوساطة التلفزيون والجرائد المحلية وقاد إلى استجابة عامة كبيرة، حيث اتصلت كثير من النساء بشكل خاص، وأقرين بأن رجالهن تنطبق عليهم صورة الاكتئاب والانتحار الذكوريين، وتم تقديم رعاية اجتماعية وطبية وطبية نفسية عند الحاجة. أما النتيجة فكانت أنه قد أمكن للمرة الأولى في التسعينيات  خفض الانتحارية الذكورية أيضاً بشكل دال على جزيرة غوتلاند.

  • تحسين التشخيص، والتعرف المبكر والاكتئاب الذكوري والانتحارية

كما أشرنا سابقاً فإن الرجال يذكرون أو يخبرون عن مشاعر الاكتئاب أو الأعراض الاكتئابية التقليدية بشكل أكثر ندرة من النساء. لهذا يبدو من الضروري وجود أدوات "للفرز" و التعرف المبكر، في كل العيادات الطبية العامة، وكذلك في الرعاية الاجتماعية أيضاً ولدى مصلحة الضرائب وفي كل جمعيات المساعدة والمراقبة الاجتماعية. ويعد "مقياس غوتلاند للاكتئاب الذكوري" أداة صالحة للاستخدام لهذا الغرض وبسيطة، للتعرف الذاتي وللتقييم الموضوعي على حد سواء. ومن خلاله يمكن إيجاد الأعراض النمطية للاكتئابية والانتحارية الذكورية، التي تتكون بشكل خاص من انخفاض تحمل التوتر والعدوانية المتزايدة وفقدان التحكم والخواء الاكتئابي والاحتراق، ومن علامات أخرى نموذجية كالتعب غير المفسر والتشتت المتزايد وعدم الاستقرار والميل للإحباط وعدم القدرة على اتخاذ القرار مع تمتعهم السابق باتخاذه ومشكلات النوم والاستهلاك الزائد للكحول أو عقاقير أخرى أو نظائر العقاقير والتغير المفاجئ في الشخصية باتجاه "ما يشبه السيكوباثية Pseudopathia " لدى رجال وزملاء وأزواج وآباء كانوا في الماضي يتمتعون بالكفاءة الاجتماعية، وسلبية عامة ويأس ورثاء ذاتي نكوصي مع استعداد لإدمان العقاقير أو الكحول أو الانتحارية أو البحث عن الخطر.  وفي عصر، تتصف فيه الوقاية والعلاج النفسي مع العلاج الدوائي للرجال في الغالب بإهمال الخصوصية الجنسية أو "بتحيز جنسي Gender Bias" تبين أن هذا المقياس مثمر. وهو اليوم موثوق علمياً بشكل كاف، ومترجم إلى لغات عديدة ويحظى بالاهتمام المتزايد [30،46،47]. كما ظهر أن  مقياس منظمة الصحة العالمية-الخامس للعافية "WHO-5 Well-Being Scale" مقياس مفيد يكمل "مقياس غوتلاند للاكتئاب الذكوري Gotland Male Depression Scale". فمقياس منظمة الصحة العالمية لا يسأل عن الأعراض الاكتئابية فقط وإنما عن العافية [الصحة] الواضحة بدرجة ما –سؤال يستطيع إلى حد ما  الإجابة عنه حتى الرجال المتكتمين [5]alexithymia  دون استبصار أو إحساس باكتئابيتهم الخاصة. وقد تم استخدام هذا المقياس بنجاح في دراسات ضخمة مختلفة ويبدو أنه أداة فرز أولي مفيدة في تشخيص الاكتئاب الذكوري حتى في المجالات غير الطبية [30،48].

  • كشف الاكتئاب الذكوري والوقاية منه في المجال العام

كما أشرنا سابقاً فإن تحسين عروض تنمية الصحة العامة والرعاية الطبية غالباً ما لاتكون كافية عندما يتعلق الأمر بالاكتئاب الذكوري والانتحارية. فالرجال المكتئبون والعدوانيون والعنيفون أحيانا والميالون للسلوك الإدماني يغلب أن يكونوا  محرضين لمشكلات ضخمة سواء بالنسبة لهم أنفسهم أم بالنسبة لمحيطهم القريب. ولابد من التوجه لهؤلاء الرجال بفاعلية لتقليل الانتحارية، وعدوانيتهم الداخلية والخارجية وللوقاية من اكتئابيتهم وتهديمهم الذاتي ومتعة الخطر بكل عواقبها. وقد أظهرت هنا الاتصالات مع الجمعيات المهنية والمنظمات الزراعية والصيادين ومصلحة الضرائب والاتحادات الرياضية والجماعات الكنسية والمدنية نتائج جدية. والمهم هنا هو الذهاب من أنه من النادر للرجال البحث عن المساعدة، ولايدركون كثيراً اكتئابهم وانتحاريتهم ولابد من التوجه لهم وتحفيزهم بطريقة خاصة وفي بعض الأحيان يقود هنا استخدام مفهوم الاكتئاب والانتحارية بيولوجياً أو حتى الانطلاق في جلسات فردية مركزة أو مجموعات مركزية من الأعراض الأولية كالأرق على سبيل المثال إلى نجاح جيد. كما يبدو من المهم أيضاً –وبالتحديد في الإشغال الأنثوي الغالب للوظائف في المنظمات الطبية النفسية- إيقاظ الاستبصار والتفهم والاهتمام بأن اليأس والاكتئاب والانتحارية الذكورية قد تتجلى في تعابير قليلة "الصفاء"، وتتميز بالعدوانية اللفظية وأحياناً الجسدية أيضاً والانزعاج السلبي العام. وربما  يشكل تحديد معالجين فرديين وفرق علاجية لديها دافعية جدية لمساعدة هذه المجموعات المهمة مبدأ جيداً.

 

  • العروض النوعية من المساعدة وتصميمها

غالباً ما يكون هناك حاجة للتشكيك بالصور المختلفة الذكورية المألوفة والتقليدية الموجودة في مجتمعنا: إذ عليهم على سبيل المثال أن يكونوا دائماً أقوياء ولايجوز لهم الشكوى أو البكاء أو طلب المساعدة. ومن الممكن أن تكون البرامج العلاجية النفسية وبشكل خاص العلاجية النفسية الاستعرافية ذات فائدة هنا. –نظراً لحقيقة أن الرجال غالباً ما ملا يميلون كثيراً إلى العمل مع ماضيهم في إطار مرجعية نفسية ديناميكية أو تحليلية نفسية. وهنا من المهم ثانية استخدام معالجين من الجنسين ملائمين من الناحية الشخصية ومهتمون إيجابياً، يظهرون الإرادة و القدرة للتعامل مع فقدان الدافعية وعدم المطاوعة وعدم الاحترام التي غالباً ما يبديها الرجال تجاه الإجراءات العلاجية بوصفها تحد إيجابي. وهناك مشكلة أخرى تتجلى في أن عروض الرعاية الاجتماعية والطبية النفسية المقدمة في المستوصفات  غالباً ما تكون مصممة وفق حاجات الجنس الأنثوي، ذلك أن غالبية المراجعين الذين تتم رعايتهم من الناحية الطبية النفسية أم الاجتماعية على حد سواء هم من النساء. يضاف إلى ذلك بأن غالبية المعالجين والمساعدين المهنيين في الرعاية الصحية النفسية التطوعية هم من الجنس الأنثوي، وليس نادراً أن يكن غير مهيئات أو لايردن العمل مع الإمراضية الاكتئابية الذكورية ذات الصفات الأقل إبهاجاً. وهكذا على سبيل المثال  يشترط في اسكندينافيا للعلاج الطبي النفسي وجود صفات واضحة للسلوك الأنثوي الباحث عن المساعدة، كالدافعية والمطاوعة والاستبصار وإرادة التغيير-وهي شروط التي قد يندر ويصعب تحقيقها عند المرضى الاكتئابيين والانتحاريين الذكور.

 وإحدى نتائج هذا الخلل القائم على الجنس فإن وضعاً مصطنعاً، موجود في كثير من البلدان، في العلاج الإجباري الطبي النفسي أو القضائي  أو الطبي النفسي الجنائي يتم اللجوء إليه في الغالب من الرجال، إلا أنه بالمقابل 80% من كل عروض المساندة الأكثر دعماً والطبية النفسية والاجتماعية تستخدمها النساء. والنتيجة الأخرى لهذه الظاهرة هي ندرة علاج الاكتئاب الذكوري –كنتيجة للبحث الأقل عن المساعدة من قبل الرجال، ولكن أيضاً كنتيجة للتشخيص غير الكافي للاكتئابية الذكورية [29].

وهذا لا يؤكد من جهته على أهمية فحص مدى سهولة الوصول إلى عروض المساعدة فحسب بل كذلك فحص مدى مقبوليتها. وهكذا فإننا نعرف بأن الانتحاريين قبل انتحارهم غالباً ما يكونوا قد لجئوا إلى الأطباء العامين أكثر من لجوئهم للأطباء النفسيين، والذين بينهم ثانية النساء أكثر بكثير من الرجال، الأمر الذي لابد من تفسيره بشكل مؤكد على أنه خوف من الوصمة وغياب البحث الذكوري عن المساعدة. وعلى الرغم من كل ذلك لابد من القول أن أنه من الممكن علاج الاكتئاب الذكوري ومن الممكن الوقاية من الانتحار الذكوري. ويمكن هنا لعروض العلاج بمضادات الاكتئاب والعلاج الدوائي والعلاج النفساني  على حد سواء التي تقدم بطريقة خاصة بالجنس باحترافية تعاطفية، أن تخلق المطاوعة والثقة اللازمة من أجل تحقيق نتائج علاجية جيدة.

  • تحديات علمية متعلقة بالجنس

يفترض القيام بأبحاث أخرى فيما يتعلق بأسباب الاكتئابات والانتحارية الذكورية واستراتيجيات الوقاية منها وعلاجها فيما يتعلق بالجنس بشكل أوسع مما هو حتى الآن، وأن تقود أيضاً إلى برامج متعلقة بالجنس متمركز حول الأشخاص. ويفترض هنا أن يتم أخذ السن والعرق والعوامل الديموغرافية والجنوسة والظواهر الثقافية استناداً إلى الهوية الذكورية والصورة الاجتماعية للذات والدور الاجتماعي. وعلى دراسة الانتحار أن تراعي أنه قد تختلف طبوغرافية السلوك الانتحاري المتعلق بالجنس. فهناك من جهة محاولات انتحار عدوانية مزمعة تؤدي في الغالب للموت –إذا أخفقت- فتصنف مع ذلك على أنها انتحار فاشل. ويغلب لهذا النوع من التصرفات الانتحارية أن يقوم به الذكور. وهناك أنماط أخرى من التصرفات الانتحارية المتسمة بالتكرار والتعدد وأقل حزماً وغالباً ماتمتلك طبيعة استغاثية، وهي غالباً ما تقوم بها الإناث [15-17]، فهذه المحاولات من الانتحار تعبر إذاً عن نداء استغاثة ويمكن اعتبارها في النهاية واقية من الانتحار [14]. لهذا فإنه من المشكك به بشكل جوهري تصنيف هذه الأنماط المختلفة ديموغرافياً ومن حيث العواقب "كسلوك مؤذ للذات" ضمن فئة واحدة وحيدة، وهو ما يحدث مراراً لأسباب إحصائية إلا أنها تجعل من الاستنتاجات العلمية أو المهمة إكلينيكياً صعبة بسبب عدم تجانس المادة على الرغم من "السلطة" الإحصائية المتزايدة.

  • خلاصة واستنتاجات

يبدو أن النسبة المرتفعة من الانتحار بين الرجال تمثل مؤشراً موثوقاً على وجود قصور في الصحة النفسية والإحساس بالعافية لدى الذكور. وبالنظر للارتباط القوي بين الاكتئاب والانتحارية لدى الرجال ينبثق هنا تحد كبير لتحسين ظروف والعوامل المؤثرة للعافية والصحة الذكورية على المستوى الفردي والاجتماعي على حد سواء. ويفترض أن يعني هذا تعويض النقص في الاستقلالية الذكورية والعمل ضد اليأس لدى مجموعات تكبر باطراد من الرجال وتحسين التسامح والتواصل المتبادلين بين الجنسين. كما يفترض أن يعني هذا مراعاة الخبرة الذكورية لمشاعر الهوية الاجتماعية ودلالة والمعني الوجودي، وخلق تفهم بطريقة غير تقليدية وغير إيديولوجية  فيما يتعلق بالحاجات الذكورية التقليدية للاندماج والعزة والمكانة والكرامة –حتى في المجتمع الراهن والحديث، مجتمع تحول الأدوار الجنسية.

ومن البديهي أنه لابد من تغليف مثل هذه المساعي في مجتمع حديث لإعادة التفكير بالتقييمات الذكورية التقليدية وبنى السلطة وبعدم التبصر وبالمثل غير الواقعية للأنا وتعديلها. ويحقق هنا التركيز المحترف المطرد الانتشار على "الطب النفسي المتمركز حول الشخص" إمكانات حاسمة لتحسين الوقاية والتشخيص والعلاج للاكتئاب والانتحار الذكوريين بشكل فردي وسردي وخاص بالجنس. وعلى الاستراتيجيات المطابقة أن تركز على نقاط القوة والاستعداد النوعية وعلى التوقعات النوعية للأدوار ونقاط الضعف لدى الرجال، وبشكل خاص على الحاجة الذكورية للمكانة والهوية المهنية والعزة الاجتماعية ومن ثم  للوقوف في وجه  التوترات الذكورية وفرط التعويض العنيف عند فقدان السيطرة واليأس.

  • الأهمية للممارسة

يعد التشخيص العلاج المتعلق بالجنس والمتمركز حول الشخص للأمراض النفسية، وبشكل خاص للحالات الاكتئابية والميل للانتحار مجالاً جديداَ ومطرد الأهمية للرعاية الصحية العامة والفردية ومعالجة الأمراض.  وقد تم التعرف على النسبة العالية للوفيات عند الرجال في الأزمة الفردية والاجتماعية في هذا المجال على أنها مشكلة رئيسة للصحة العامة وكذلك لمحيطهم في الأسرة ولدى الأصدقاء وفي العمل وفي المحيط الاجتماعي.

والتكلفة والمعاناة المرتبطة بشكل مباشر وغير مباشر مع الاكتئابية الذكورية غير المكتشفة وغير المعالجة والعنف والتهديم الذاتي والمرض والتوتر الاجتماعية المرتبط بها، باهظة.

لقد حددت الحكومات الأوروبية وبشكل خاص في شرق أوروبا والمنظمات العالمية كمنظمة الصحة العالمية والاتحاد الأوروبي المشكلة وأوصت بإجراءات وبدأت بمشاريع.

وتتمثل إحدى المشكلات الرئيسية هنا في نقص المعارف حول الاكتئاب والانتحارية الذكورية والرفض الذكوري لتقبل المساعدة المتخصصة من النوع التقليدي.

وبالنظر لهذه الثغرة سلوك البحث عن المساعدة وعدم القدرة التكتمية للذكور للتعرف على اكتئابهم الخاص والتعبير المبكر عن ضعفهم و حاجتهم للمساعدة لابد من تقديم مساعدة بطريقة جديدة. وأدوات فرز واستراتيجيات تقصي –في العمل والأسرة وفي البلديات والاتحادات والروابط، مطلوبة.

وقد تم في هذا المقال عرض نماذج حلول، مجربة إلى حد ما في الميدان. غير أن هناك ضرورة لزيادة رفع  الوعي بالمشكلة. كما تم عرض  أبحاث تقويم وتطوير استراتيجيات ووصف الطرق الممكنة.

ومن المطلوب أيضاً تحسين التواصل بين الجنسين واهتمام متزايد بجهود التوعية القائمة على الأسرة وتعاون بين القطاعات المختلفة من المجتمع- كقطاع العمل والتأهيل وقطاع رعاية الأمراض والرعاية الصحية والقضاء.  ويحتاج الأمر هنا إلى التزام متعدد المهن والعوامل والتخصصات.

ويمكن الوقاية من الاكتئابية والانتحارية الذكورية وعواقبهما المتنوعة، ويمكن التعرف عليها ومراقبتها.

ويقف الطب النفسي والإمداد الطبي العام هنا أمام تحد حاسم فيما يتعلق بتحليل العواقب والإرشاد وحل المشكلات.   

مواضيع مرتبطة: أنظر الاكتئاب لدى النساء: لماذا يصيب الاكتئاب النساء أكثر من الرجال 

 

 

  1. Qin P, Agerbo E, Westergård-Nielsen N, Eriksson T. Mortensen PB. Gender differences   in risk factors for suicide. Br J Psychiatry 2000:177:546-50.

  2. World Health Organisation (WHO) Regional office for Europe. Health for All (HFA) database. Copenhagen, 2005.

  3. Kyprianou K. Opening speech. Presentation of the European Union's Green Book on Mental Health. European Commission, Luxembourg. 2005.

  4. European Commission, Green Book on Mental Health. Luxembourg, 2005.

  5. Wasserman D. Varnik A, Ekiund G. Male suicides and alcohol consumption in the Former USSR. Acta Psychiatr Scand 1994; 89: 306-13. 6.

  6. Värnik A, Wasserman D. Dankowicz M. Ekiund G. Marked decrease in suicide among men and women in the Former USSr during perestroika. Acta Psychiatr Scand SuppI 1998; 394:13-9.

  7. Rutz W. Mental health in Europe. Problems, advancements, challenges. Acta Psychiatr Scand SuppI 2001; 410:15-20.

  8. Taylor R, Morrell S, Slaytor E, Ford P. Suicide in urban South Wales. Australia, 1985- 1994: Socio-economic and migrant interactions. Soc Sci Med 1998; 47:1677-86.

  9. WHO. The World Health Report 2001. Mental Health. New Understanding, New Hope. World Health Organisation, Geneva, 2001.

  10. 10. Wilkinson R, Marmot M (eds). Social determinates of health - the solid facts. WHO Regional Office for Europe, Copenhagen. 1998.

  11.  Levav I. Rutz W. The WHO World Health Report 2001 new understanding - new hope. Isr J Psychiatry Relat Sci 2002; 39: 50-6.

  12. Cloninger CR. The science of well-being: an integrated approach to mental health and its disorders. World Psychiatry 2006; 5:71-6.

  13.  Jackson, Payne JO, Nadel L, Jacobs WJ. Stress differentially modulates fear conditioning in healthy men and women. Biol Psychiatry 2006; 59:516-22.

  14.  RutzW. Suicidal behavior. Comments, advancements, challenges. An European perspective. World Psychiatry 2004; 3:161-2.

  15. Isometsä ET, Lönnkvist JK. Suicide attempts proceeding completed suicide. Br J Psychiatry 1998; 173:531-5.

  16.  Wassermann D (ed). Suicide, an unnecessary death. Martin Dunitz, London, 2001.

  17. . Rihmer Z. Belso N. Kiss K. Strategies for suicide prevention. Curr Opin Psychiatry 2002; 15:83-7.

  18.  Levi F, La Vecchia C. Lucchini F, Negri E, Saxena S, Maulik PK, Saraceno B.Trends in mortality from suicide, 1965-1999. Acta Psychiatr Scand 2003; 108:341-9.

  19.  Griffin JM, Fuhrer R, Stansfeld SA, Marmot M. The importance of low control at work and home on depression and anxiety: do these effects vary by gender and social class? Soc Sci Med 2002: 54: 783-98.

  20. WHO. Health for All. World Health Organisation, Regional Office for Europe. Copenhagen,1999.

  21.  Rihmer Z, Rutz W, Barsi J. Suicide rate. prevalence of diagnosed depression and prevalence of working physicians in Hungary. Acta Psychiatr Scand 1993; 88: 391-4.

  22.  Rutz W, Wälingder J. von Knorring L, Rihmer Z; Pihigren H. Prevention of depression and suicide by education and medication: impact on male suicidality. An update from the Gotland study Int J Psychiatry Clin Pract 1997:1:39-46.

  23.  Rutz W. Improvement of care for people suffering from depression: the need for comprehensive education. Int J Clin Psychopharmacol 1999:14 (SuppI 3): S27-S33.

  24.  Rihmer Z, Barsi J, Veg K, Katona CL Suicide rates in Hungary correlate negatively with reported rates of depression. J Affect Disord 1990; 20:87-91.

  25.  Rutz W, von Knorring L, Wälinder J. Long-term effects of an educational program for general practitioners given by the Swedish Committee for the Prevention and Treatment  of Depression Acta Psychiatr Scand 1992;85: 83-88.

  26.  Rhimer Z, Rutz W, P.hlgren H. Depression and suicide on Gotland. An intensive study  of all suicides before and after a depression training programs for general practitioners. J Affect Disord 1995; 35; 147-52.

  27.  Isaksson G. Suicide prevention - a medical breakthrough. Acta Psychiatr Scand 2000;  102:113-7.

  28.  Rutz W. von Knorring L, Pihigren H. Rihmer  Z, Walinder J. Prevention of male suicides,  lessons from the Gotland study. Lancet 1995;  345:524.

  29.   Angst J, Gamma A. Gastpar M, Lepine JP,  Mendlewicz J, Tyiee A; Depression Research  in European Society Study. Gender differences  in depression. Epidemiological findings from  the European DEPRES I and II studies. Eur Arch  Psychiatry Clin Neurosci 2002; 252; 201-9.

  30. Bech P. Male depression. Stress and aggression as pathways to major depression.  In: Davson A, Tyiee A (eds). Depression - social and economic time bomb. British Medical  Journal Books, London. 2001; 63-6.

  31. Szadoczky E. Rihmer Z, Papp Z, Vitrai J,   Furedi J. Gender differences in major depressive disorder in a Hungarian community survey. Int J Psychiatry Clin Pract 2002; 6:31-7.

  32. Egeland JA, Hostetter AM, Eshleman SK.   Amish study III, the impact of cultural factors   on diagnoses of bipolar illness. Am J Psychiatry 1983; 140: 67-71.

  33. Levav I, Kohn R, Dohrenwend BP, Shrout   PE, Skodol AE, Schwartz S, Link BG, Naveh G.   An epidemiological study of mental disorders   in a 10-year cohort of young adults in Israel.   Psychol Med 1993; 23: 691-707.

  34. Davidson JR, Meltzer-Brody SE. The under   recognition and under treatment of depression   what is the breadth and depth of the problem'   J Clin Psychiatry 1999; 60 (SuppI 7): 4-9.

  35. Lecrubier Y. Is depression underrecognised   and under treated? Int Clin Psychopharmacol    1998:13:3-6.

  36. Berardi D, Menchetti M. Cevenini N.    Scaini S, Versari M, De Ronchi D. Increased    recognition of depression in primary care.    Comparison between primary care physician    and ICD-10 diagnosis of depression. Psychother Psychosom 2005; 74: 225-30.

  37. Jorm AF, Kelly CM, Wright A. Parslow RA,    Harris MG, McGorry PD. Believe in dealing    with depression alone, results for community    surveys of adolescents and adults. J Affect    Disord 2006; 96:59-65.

  38. De Leo D, Cerin E, Spathonis K, Burgis S.    Life time risk of suicidal ideation and attempts    in an Australian community, prevalence, suicidal process, and help-seeking behavior.    J Affect Disord 2005; 86:215-24.

  39. Rutz W. Social psychiatry and public mental health – present situation and future objectives. Time for rethinking and renaissance?     Acta Psychiatr Scand 2006; 113 (SuppI 429):     95-100.

  40. Levav I. Latin American statistics. 2004.

  41. World Health Organisation. The World     Health Report 2001. Mental Health, new understanding, new hope. World Health Organisation, Geneva. 2001.

  42. World Health Organisation. World Health     Report on Violence- World Health Organisation, Geneva, 2003,

  43. Rutz W, von Knomng L, Walinder J,     Wistedt B. Effect of an educational program     for general practitioners on Gotland on the     pattern of prescription of psychotropic drugs.     Acta Psychiatr Scand 1990; 82: 399-403.

  44. RutzW. [Male depression and Gotland ,   Male depression scale]. In: Medicinsk ärsbok.      Munksgaard, Kopenhagen,1995.

  45. Rutz W. Improvement of care for people      suffering from depression, the need for comprehensive education. Int Clin Psychopharmacol 1999;14: 27-33.

  46. Zierau F, Bille A, Rutz W, Bech P. The Gotland Male Depression Scale: A validity study in patients with alcohol use disorder.    Nordic J Psychiatry 2002; 56:265-71. 17

  47. Moeller-Leimkuhler AM, Bottlender R.     Strauss A, Rutz W. Is there evidence for male id   depressive syndrome for patients with major      depression? J Affect Disord 2004; 80:87-93.

  48. Moeller-Leimkuhler AM. Barriers to help- seeking by men: a review of cross-cultural      and clinical literature with particular reference to depression. J Affect Disord 2002; 71:1-9.


[1] العنوان الأصلي للمقال: Depression und Suizidalitaet bei Maennern aus europaeischer Sicht: Fakten, Paradoxen, Perspektiven (Depression and Suicide in Males –a European View. Facts, Paradoxes, Perspectives) J  Neurol Neurochir Psychiater 2010; 11 (3):46-52  (المقال مصرح بترجمته ونشره من المؤلف)

[2] أستاذ متخصص في علم النفس الإكلينيكي-قسم الإرشاد النفسي-كلية التربية-جامعة دمشق Srudwan@hotmail.com

منشور في مجلة دراسات نفسية-الجزائر

[3] (ملاحظة: يختلف الملخص الإنجليزي عن الملخص الألماني قليلاً) المترجم

[4] تعبير الفرد عن مشاعره بشكل مبالغ فيه (تمثيل دفاعي)، فمثلا نوبات الغضب عند الأطفال تعتبر نوع منها، أو حتى قذف الأدوات عند الكبار في حال الغضب.

[5] التكتم أو الأمية الانفعالية، عدم القدرة على التعبير عن المشاعر والأحاسيس التي يشعر بها الإنسان و والمتكتمون لا يستطيعون معرفة ما يشعرون به والتعبير عن تعاطفهم بشكل واضح (المترجم).   


[1] البروفيسور الدكتور فولفغانغ روتس: من مواليد عام 1943، شهادة عليا في الكب بعد الدراسة في أيرلانغن وفينا وفورتسبورغ مع الدكتوراه في الطب (الطب النووي)  في فورتسبورغ. تأهيل في تخصص الطب النفسي العام في مستشفى الجامعة الطبي النفسي في أوبسالا Uppsala. 1077-1998 طبيب أول ومدير طبي للإمداد الطبي النفسي للجزيرة وإقليم غوتلاند ، السويد. وفي أثناء ذلك بحث تنمية تنظيمي-إكلينيكي مع درجة الهابيل. 1992 الحصول على درجة "دكتور في الفلسفة" من جامعة لنكوبنغ Linkoeping   "بدراسة غوتلاند". وفي هذا الوقت واصل البحث في مجال علم الفصام الجائحي epidemiological Schizpohrenology  مع تقويم تعديلات الهيئة الطبية النفسية. ,في عام 1998 استدعاء لمنظمة الصحة العالمية وحتى 2005 مدير البرنامج الأوروبي للصحة النفسية لمنظمة الصحة العالمية في كوبنهاغن "كمستشار إقليمي أوروبي للصحة النفسية European  Regional Advisor for Mental Health". وبين عامي 2005-2009 مدير وحدة الطب النفسي  وتنمية الصحة لجامعة أوبسالا. ويعمل في الوقت الراهن أستاذاً للطب النفسي الاجتماعي في الهيئة التدريسية لمعهد كوبورغ العالي High School Coburg ، وناشط عالمياً بوصفه "مستشاراً عالمياً  للصحة النفسية العامة والعالمية Senior  Advisor for Public and international Mental Health"


 

للخلف