الأمراض النفسية و العلاج النفسي

الأمراض النفسية و العلاج النفسي

من الكتاب

الأمراض الجسدية المؤكدة التشخيص

التي يمكن للعلاج النفسي أن ينفع فيها

 

الذبحة القلبية

يتم اليوم الافتراض بشكل عام بأن الإرهاق يشترك كعامل خطر مقدمة الذبحة القلبية. فالمرضى الذين يمتلكون خطر مرتفعاً للإٌصابة بالذبحة القلبية (ارتفاع في قيم الدم، ارتفاع ضغط الدم، التدخين، السكري) عليهم أن يستشيروا طبيباً فيما يتعلق بإدارة الحياة.

ويمكن للعلاج النفسي أن يفيد في تمثل صدمة الذبحة القلبية. فالمرضى الذين مروا بذبحة قلبية يميلون إلى إنكار تقييد قدرتهم الإنجازية أو لا يتجرءون بشكل عام على أقل الإرهاقات. ويمكن للعلاج النفسي الذي يتم تنفيذه بالشكل الأفضل من الطبيب الذي يجري العلاج الجسدي أيضاً وبمشاركة الشريك أن يفيد لإيجاد اتجاه نحو المرض يسهل الإدارة الهادفة للحياة.

الربو

في الربو يحصل تضييق في الشعب الهوائية الدقيقة. ومن خلال ذلك ينشأ نوع من تأثير الصمام: ففي حين يحدث الشهيق بشكل ميسر إلى حد ما يكون الزفير صعباً. والربو يحدث على شكل نوبات، ويمكن لنوبة الربو أحياناً أن تستمر لأيام عدة. ومن المثبت اليوم وجود مركب حساسية مسؤول عن نشوء الربو. وتوجد إلى جانب ذلك مركبات نفسية في نشوء الاستعداد للربو ونوبات الربو المنفردة.

وغالباً ما يصعب التنبؤ فيما إذا كان العلاج النفسي فاعلاً أم لا. إلا أنه تم تحقيق تحسن كبير في العلاج النفسي. وغالباً ما يتم التوليف بين العلاج النفسي والعلاج الدوائي. وينبغي مراعاة خطر ازدياد نوبات الربو من خلال حشد الصراعات الكامنة (اللاشعورية) عند طرح الفاعلية (الاستطباب)، فهي يمكنها –إذا ما أصبحت شعورية- أن تقوي بداية الميل لنوبات الربو. وفي الربو الذي أصبح مزمناً وخلف وراءه أضراراً في الرئتين والقلب، فإن الأشكال التدخلية من العلاج النفسي ليست مفيدة في العادة. وهنا تحتل تمارين الاسترخاء بالدرجة الأولى والإرشاد النفسي مركز الصدارة.

ضيق التنفس مع تشنجات والتنميل في اليدين

 (تشنج فرط التهوية hyper ventilation tetany)

غالباً ما يقود القلق، الذي ليس بالضرورة له أن يعاش على أنه قلق، وإنما يمكن كبته، لدى غالبية الناس إلى عن طريق ارتفاع إيقاع التنفس (إلى درجة اللهاث) إلى تشنج اليدين والأصابع. بالإضافة يشعر الإنسان في الذراع واليدين والأصابع بالتنميل. ويمكن إزالة النوبة على الأغلب إذا ما تمكن الإنسان في المحيط من تهدءة المريض. وفي الحالات الصعبة فقط ينبغي إعطاء الدواء عن طريق الحقن. كما يمكن التأثير على تشنج اليدين والأصابع بشكل ملائم من خلال قيام المعني بالتنفس في كيس من الورق، حيث تزداد بذلك كمية ثاني أوكسيد الكربون الذي يرفع إعادة تنفسه مستوى الحمض في الدم –إذ أن سبب التشنجات هو «الزفير» الشديد لحمض الكربون- ومن ثم يزول التشنج. وأحياناً يكفي وضع اليد أمام الفم والأنف. وبما أن هذه النوبات مزعجة ويمكن التأثير على النوبات من خلال العلاج النفسي، فإنه ينصح باستشارة معالج نفسي.

 

 

القرحة المعدية والقرحة الاثني عشرية

يمكن استثارة القرحة المعدية والقرحة الاثني عشرية من خلال تأثيرات مختلفة، كالإرهاق والعمل الليلي والصراعات الداخلية اللاشعورية. وبما أن العلاج الدوائي للقرحة المعدية هو علاج ناجح جداً اليوم فإنه قلما يتم إجراء العلاج النفسي لمرضى القرحة المعدية. غير أنه علينا ألا ننكر التأثيرات النفسية وهي أوضح في القرحة الاثني عشرية منها في القرحة المعدية.

ضغط الدم

تسهم العوامل النفسية في نشوء بعض الأشكال من ضغط الدم. وفي هذه الصورة المرضية من الضروري استبعاد الأسباب الجسدية بشكل خاص لأنه توجد أسباب جسدية يمكن معالجتها بشكل جيد جداً. وعلى كثير من مرضى الضغط المرتفع أن يتناولوا الدواء طوال حياتهم. وبما أن ضغط الدم لا يسبب أية آلام أو شكاوى في البداية فإنه من الصعب حفز مرضى ضغط الدم لتناول الدواء بشكل منتظم. فالمريض بضغط الدم لا يشعر بضغط دمه، ولكنه يشعر بالأعراض الجانبية للدواء. ويتجاهل مرضى ضغط الدم المرتفع على الرغم من معرفتهم الجيدة بأن ضغط الدم يقود مع الزمن إلى أضرار وخيمة للأوعية الدموية مع خطر السكتة القلبية والذبحة القلبية وأمراض الكليتين، التي تستمر في تثبيت ضغط الدم ويقيد من وظائف الكليتين بشكل كبير.

يمكن للعلاج النفسي أن يخفض من ضغط الدم لدى بعض البشر. إلا أن العلاج النفسي غالباً ما يكون متأخراً إذا كان حدث تضرراً في وظائف الكليتين. عندئذ لا يستطيع المعالج النفسي إلا المساعدة في إقناع المريض بأنه عليه أن يتناول دواءه بشكل منتظم.

 

الروماتيزم

التهاب المفاصل الروماتيزمي المزمن مرض تؤثر عليه الأحداث النفسية المرهقة، على سبيل المثال الأزمات في العلاقات البين إنسانية. وروماتيزم المفاصل المزمن هو عبارة عن مرض مناعي ذاتي. ومن المؤكد اليوم أن العوامل النفسية تؤثر على جهاز المناعة. فعندما يسوء المزاج العام يتم الإحساس بالألم بشكل أشد. وبالعكس يمكن تحسين الحالة النفسية العامة إذا ما انخفض الألم. أما الكيفية التي يتعلق فيها هذا مع بعضه فما زالت غير واضحة. وهنا يندر للعلاج النفسي أن يكون مفيداً.

فرط ونقص إفراز الغدة الدرقية

افترض في السابق أن العوامل النفسية تسهم سببياً في فرط إفراز الغدة الدرقية. إلا أنه لم يتم تأكيد هذا الأمر بشكل قاطع. ويتجلى فرط إفراز الغدة الدرقية بالعصبية وزيادة تناقص الوزن وخفقان القلب. ويسهل اليوم تشخيص فرط إفراز الغدة الدرقية. وبما أنه يمكن معالجة فرط الإفراز بالدواء بشكل ممتاز فإنه قلما يحاول المرء اليوم التأثير على الغدة الدرقية بشكل نفسي.

وكذلك من السهل اليوم تشخيص ومعالجة نقص إفراز الغدة الدرقية دوائياً. ولا يتم هنا افتراض وجود عوامل نفسية. إلا أن نقص إفراز الغدة الدرقية يمكن أن يحدث حالة شبيهة بالاكتئاب. حيث يتباطأ الدافع القدرة على التفكير وهو ما يشبه أعراض الاكتئاب. بالإضافة إلى أنه تحدث زيادة في الوزن.

الحساسية (الأكزيما)

الأكزيما المزمنة neurodermitis هي مرض وراثي التي تظهر على الأغلب حتى لدى الطفل الرضيع في صورة قشور. وما زال هناك خلاف حول فيما إذا كانت العوامل النفسية تلعب دوراً. والأكثر احتمالاً أن التغيرات الجلدية للأطفال تؤثر على تعامل الأمهات مع أطفالهن بحيث أنه تحصل تغيرات نفسية ثانوية، يمكنها من جهتها أن تؤثر ثانية على مجرى المرض.

إلا أنه توجد حالات من الأكزيما المزمنة تظهر في بداية في سن الرشد. يمكن للعلاج النفسي أن يؤثر بشكل ملائم في مجرى المرض في العادة، إلا أنه لا يشفي المرض نفسه. وأحياناً يتم دفع الأكزيما للكمون، بحيث لا يعاني المريض من أعراض جسدية. إلا أنه يمكنها العودة ثانية. ليس هناك حتى شفاء نهائي للأكزيما المزمنة بحيث يجعلها لا تعود ثانية.

الصدفية

الاستعداد للصدفية psoriasis هو استعداد موروث. وكما هو الحال في الحساسية الجلدية تؤثر العوامل النفسية والوراثية مع بعضها. إلا أن الإرهاقات النفسية على شكل صراعات معاشة شعورياً أو لا شعورياً تبدو في الصدفية أقل مما هو الحال في الأكزيما المزمنة. لهذا فإن التحسن في العلاج النفسي يكون ضئيلاً في العادة. ويمكن للعلاج النفسي أن يساعد في التعامل بشكل أفضل مع المرض (المواجهة Coping).

السرطان

تتم مناقشة مدى مساهمة العوامل النفسية في نشوء السرطان. والفرضية الأكثر احتمالاً اليوم هي أن العوامل الخارجية والصراعات الداخلية الشعورية واللاشعورية تحدث تأثيراً يضعف من جهاز المناعة. عندئذ لا يقوم جهاز المناعة باصطياد الخلايا السرطانية الناشئة في الجسم، عندئذ ينشأ السرطان. وبما أنه ينبغي لكثير من أنواع السرطان على سبيل المثال سرطان الرئة، أن يصل إلى حجم كبير قبل أن يسبب الشكاوى فإن نشوء المرض غالباً ما يرجع إلى فترة زمنية طويلة. وهذا يصعب من تقويم الإرهاقات الخارجية في بداية مرض السرطان وتوضيح مساهمة الصراعات الداخلية.

غير أنه من المحتمل أن تسهل الإرهاقات الداخلية والخارجية التشكل الجديد وظهور السرطان في المكان نفسه من الخلايا، التي لم يطلها العلاج الجراحي أو الكيمياوي أو الإشعاعي، وكذلك هجرة خلايا سرطانية إلى أماكن أخرى (انبثاث metastasis). وقلما يمكن التأثير بالعلاج النفسي على نمو ورم سرطاني واضح إكلينيكاً، بغض النظر عما إذا كان الأمر يتعلق بنشوء سرطان أو إعادة ظهور في المكان نفسه أو تورم انبثاثي([1]) metastasis.

إلا أنه يمكن للعلاج النفسي أن يكون مفيداً في تمثل المشكلات الوجودية والصراعات التي من الممكن لها أن تسبب المرض الخبيث. حيث يمكن للمعالجين النفسيين بالتعاون مع المريض أن يعالجوا التمثل العصابي بحيث يتم تحرير قوى أكبر من أجل مواجهة الصراعات الوجودية. ويقصد بالصراعات الوجودية تلك التي تنتمي للوجود الإنساني والتي على جميع الناس مواجهتها. ومن بينها بشكل خاص مواجهة نهاية الحياة.

مواجهة الأمراض الجسدية

تتعلق الكيفية التي تتم فيها مواجهة الأمراض الجسدية التي تسير بشكل مزمن أو تقود للإعاقة أو لتغيرات كبيرة في صورة الجسد، كما هو الحال في عمليات بتر الأطراف على سبيل المثال، بنمط شخصية المريض الأساسية. فهناك بشر يهونون أو ينكرون عواقب مرضهم، ومن ثم يرهقون أنفسهم أو لا يتبعون التعليمات الطبية؛ في حين أن آخرون يبالغون في تقدير القيود الناجمة عن المرض ولا ينجزون ما يمكن لهم بالفعل تحقيقه. وغالباً ما يتطلب فقدان إمكانات الحياة التي يحملها المرض المزمن معه كفاءة تكيف واسعة. فالإنسان المعافى الذي أصبح مريضاً يعيش نفسه بشكل مختلف عن المعافى وكذلك يعاش من محيطه بشكل مختلف.

وفي المرض الذي قد يقود إلى الموت تحدث مواجهة لنهاية الحياة. فيجد المعني نفسه في مواجهة مسائل وجودية أساسية يتعامل معها الناس بشكل مختلف ويمكنهم مواجهتها أو عدم مواجهتها. ومثل هذه الأسئلة الوجودية الأساسية تمثال مجالاً للدين أو الفلسفة. ولكن من معرفة تأثير الشخصية الأساسية على المواجهة أو عدم المواجهة يستطيع المعالجون النفسيون اشتقاق نصائح حول الكيفية التي يمكن فيها للأطباء الجسديين أن يسهلوا على مرضاهم التعامل مع هذه المسائل الوجودية. وفي الوقت الراهن تتم دراسة نوع التعامل مع الأمراض الجسدية الشديدة. وهنا يعمل المعالجون النفسيون مع الأطباء الجسديين معاً. إلا أنه في الممارسة الإكلينيكية لا يتم دائماً إشراك المعالجين النفسيين، عندما لا يكون المريض قادراً على التعامل مع مرضه.

وليس من الحكمة في الأمراض الجسدية الشديدة تسليم الجانب الروحي من المعالجة للمعالج النفسي؛ إذ أن الطبيب الجسدي الذي يتحمل مسؤولية الإجراءات العلاجية سيظل مقتصراً على الدور الموجه نحو الجسد فقط.

وكثير من الذين يرعون الجانب الروحي في المستشفيات والذين يناقشون المسائل الوجودية مع المرضى من الجوانب الدينية هم مدربون نفسياً، ويستطيعون تقدير على سبيل المثال فيما إذا كانت الصعوبات التي يعاني منها إنسان ما في التعامل مع المرض الجسدي تتعلق أكثر بالخبرات الماضية والصراعات الداخلية الباكرة أم أنها ترتبط أكثر مع العلاقات الراهنة للمريض، على سبيل المثال بالعلاقة بالشريك وبالأولاد وبزملاء العمل...الخ.

 


([1])     انتقال علة الداء أو العامل المسبب له من مكان إلى مكان آخر في الجسم أو ما يسمى نمو انبثاثي ثانوي لورم خبيث.