إعادة رسم الصورة وعلاج الإعادة -دليل معالجة الصدمة النفسية

إعادة رسم الصورة وعلاج الإعادة -دليل معالجة الصدمة النفسية

مقدمة محرر الطبعة العربية

        تفتقد المكتبة  للبرامج العلاجية الموثوقة والمسندة حول معالجة كثير من الأمراض والاضطرابات النفسية. ويأتي هذا الكتاب ليسهم في تقديم برنامج علاجي حظي مؤخراً بالاعتراف من خلال الدلائل الإمبيريقية ويمكن استخدامه بصورة عابرة للثقافة، من دون اللجوء إلى تعديلات، شريطة أن يقوم بها معالج متخصص ومؤهل.

      لقد عرفت سلطة الصور الداخلية منذ القديم. ويقوم الاستخدام العلاجي لها على الاستثارة الفاعلة لها و على العمل مع كل ما يترافق مع هذه الصور الداخلية من انفعالات ومشاعر وخبرات.

     وهناك مجموعة متعددة من الطرق القائمة على الصورة  تختلف  تتشابه مع بعضها في بعض الوجوه وتختلف في وجوه أخرى، حسب الاتجاه العلاجي. وترجع أولى الطرق التخيلية  المستخدمة في العلاج المعروفة  إلى العلاج النفسي  الأعماقي.

       ففي عام 1948 لفت  هانس كارل لوينر  Hanscarl Leuner  النظر إلى  استخدام  التصور لأغراض علاجية  من خلال محاولة منشورة في العام 1932 لهابش Happich  استخدم فيها تمارين تخليلية للتأمل الديني. وحاول لوينر استخدام  الرموز العلم نفس أعماقية، أي رمزية الحلم، واهتم في ذلك الوقت  بتعليم مجموعة من الزملاء هذا المجال المهم من عمليات التصوير النفسية وتطويره إلى مستوى علمي معترف به. وقاد الأمر بعد سنوات عدة في عام 1954 إلى أول منشور مبرمج وأطلق عليه في ذلك الوقت تسمية "خبرة الصورة التجريبية بالتخيل Experimentelles Katathymes Bilderleben ". وتعني Kata   في الإغريقية التعلق ب أو النزول أو الهبوط و  Thymosالروح، والمقصود هنا الانفعالية Emotionality . أما مفهوم Katathym فقد أدخله الطبيب النفسي الألماني ماير H. Maier في عام 1912 في الطب النفسي الألماني لوصف العلاقة بين الانفعالات Emotion والوجدان Affectively .

      وقد اتضح في مجرى هذه السلسلة من التجارب في جلسة الحلم المجراة بانتظام أنه تظهر لدى  المرضى العصابين فاعلية علاجية ، لم تكن موصوفة حتى ذلك الوقت وغير مدروسة منهجياً.

       و في عام 1955 نشرت الأسس النظرية وطرق ونتائج العلاج النفسي لخبرة الصورة التخيلية تحت تسمية "طريقة إكلينيكية في العلاج النفسي" إلا أن تقنية المبدأ التجريبي قد أثرت بصورة دخيلة على الأسلوب العلاجي، غير أنه اتضح باطراد أن التفتح الحر للمشاعر والانفعالات الطافية بشكل عفوي والتصورات (التخيلات) الخلاقة المرتبطة بها مثمرة جداً لتطور العملية العلاجية. لهذا تحدث لوينر في عام 1961  عن خبرة الصورة بالتخيل Katathymen Bilderleben ولاحقاً  عن "دراما الرمز Symbol Drama " ورسخ هذا المفهوم في السويد وهولندا واشتهر في اللغة الإنجليزية تحت تسمية  "التصور الانفعالي الموجه Guided Affective imaginary"  وهذه التسميات توضح الكثير من جوهر الطريقة، حيث يتضح من المفهوم الإنجليزي علاقة الصورة المتخيلة بعالم المشاعر والتعامل مع الرموز حسب نوع تفتح الخبرة الدارماتية في هذا المفهوم.

         وفي عام 1992 تم تغيير اسم هذه الطريقة وظلت تسمية خبرة الصورة  التصويرية (التخيلية) كتسمية للعملية التخيلية وكجوهر للأسلوب ككل. وأصبحت الآن تسمى خبرة الصورة-التخيلية التصورية Kathathym-Imaginary Picture experience  . وهي تسمية تشير إلى أن الأمر يتعلق بطريقة علاجية تحقق معايير العلاج النفسي الأعماقي وليس بتقنية علاجية.

        وتقوم هذه الطريقة تقنياً على استثارة التخيل الذي يشبه الأحلام النهارية لدى المريض المسترخي المستلقي على الأريكة. ويتم ذلك من خلال تقديم حافز تخيل يمثل صور مواجهة الناس والحيوانات. ويستطيع الشخص الذي يتخيل بالصور التحرك في البعد الثلاثي في هذه الخبرة التي تشبه الخبرة الواقعية وكأن الأمر يتعلق ببنية حقيقية. ويقوم المريض أو المتعالج بإخبار المعالج بالصور  التي يتحرك فيها، وهذا بدوره يمكنه التأثير على الحلم النهاري ومرافقته وتصميمه والتأثير عليه وفق قواعد خاصة.

        تعد المرافقة التعاطفية للمعالج مهمة جداً، وبهذا تختلف خبرة العلاج التصويري التخيلي عن تقنيات التخيل التوحدي autistic  من نحو تأمل الصورة Picture Imagination  و التخيل الفاعل لكارل غوستاف يونغ (Jung,1984) وعن المرحلة الأعلى للاسترخاء الذاتي. وتكمن خصوصية خبرة الصورة التخيلية التصويرية أنه يتم إخبار المعالج لفظياً بالتخيل في لحظة نشوءه، وهو ما يشكل المجال البيني بين المعالج والمريض. فينشأ ما يسمى بالمثلث المكون من المتعالج-المعالج-الحلم النهاري. وفي هذا المثلث يمثل حدث النقل والنقل المعاكس  مكوناً أساسياً. وينطلق تصور خبرة الصورة التخيلية التصويرية من تصور علم نفس الأعماق الأوروبي التقليدي. فهو يعترف في خبرة الحلم النهاري بالعرض الرمزي للصراعات اللاشعورية وما قبل الشعورية. ويعكس الحل الوسط بين النزوعات الدافعية-الوجدانية وحودث الدفاع المشكلات النفسية الراهنة للطفولة وأشكال جذور الصراعات الراجعة للطفولة المبكرة.

        والطريقة المعروضة هنا هي طريقة تكاملية جديدة  لعلاج الصدمة تطلق عليها «إعادة رسم الصورة وعلاج الإعادةImagery Rescripting & Reprocessing Therapy» مبنية في الأساس على أسس العلاج النفسي السلوكي الاستعرافي يمثل التصوّير الذهني للحدث أو التفكير بالحدث الصادم على شكل صور و إعادة توجيه الصورة أو المشهد بطريقة مختلفة عن خبرة الصدمة الأساسية العناصر الأساسية التي تهدف إلى  إعادة البناء الاستعرافي. وهي وإن كانت واقعة ضمن مجال العلاج السلوكي الاستعرافي إلا أن عناصرها تمتد لأبعد من ذلك ويمكن استخدامها أيضاً في إطار العلاج النفسي القائم على أسس علم نفس الأعماق. 

      يشكر المحرر  الناشرين الأصليين للكتاب الذين أجازوا الترجمة للعربية والسماح للمترجم بتحرير الكتاب بالشكل الذي يراه مناسباً، مما أتاح الفرصة لإضافة إسهام مهم من منظور ثقافي مختلف قدمه المحرر وعمقه الدكتور مطاع بركات، المتخصص والخبير الضليع  في هذا المجال، مقدماً رؤية عربية ميدانية متخصصة وملموسة قد تكون الأولى من نوعها،  مما أضاف على الدليل بعداً إضافياً يحتاج إلى بحث وتعمق أكثر وإعادة النظر في  الرؤية الغربية للتصنيفات من هذا النوع لتأخذ بعين الاعتبار  تلك الأنواع المركبة والممتدة من الصدمات التي وجد المتخصص النفسي العربي نفسه أمهامها والتي من الصعب  قولبتها ضمن إطار النظرة السائدة في مراجع التصنيفات العالمية للاضطرابات النفسية التالية للصدمة. وهي دعوة للبدء بتوسيع إطار هذه التصنيفات ناهيك عن تطوير آليات وطرق جديدة للمقاربة العلاجية الممتدة، يسهم فيها علم النفس والعلاج النفسي بمقدار وافر، على الأقل في الجانب  الأساسي الذي يعنيه.

والله الموفق

 

أ.د. سامر جميل رضوان

Srudwan@hotmail.com

من الكتاب

1  مدخل

          تقدم إعادة رسم الصورة وعلاج الإعادة Imagery Rescripting & Reprocessing (IRRT) مبدءاً علاجياً استعرافياً لمرضى الصدمة. وتهدف (IRRT) إلى تخفيف أعراض اضطراب الإرهاق التالي للصدمة(PTSD) وتعديل القناعات والتصويرات المتعلقة بالصدمة. ويتعلق الأمر بعلاج متعدد الأبعاد يقوم على صور المواجهة، يستخدم التخيل Imagination، أي القدرة تصور اللاحضور أو الغياب، لإنتاج صور تخيلية داخلية لخبرات الصدمة والعمل معها وتعديلها (إعادة الرسم والإعادة Rescripting & Reprocessing).

          تم تطوير IRRT بالأصل لعلاج اضطرابات التالية للصدمة (PTSD) المزمنة لدى الراشدين بخبرات استغلال جنسي في الطفولة. وتتمحور بؤرة IRRT على المشاعر والتصويرات الناجمة عن الخبرة الصادمة للاحول واليأس. ويتم العمل مع توليف من المواجهة التخيلية (المواجهة في الإحساس) وإعادة البناء التخيلي وتخيل الدعم والرعاية الذاتيين. ومن خلال المواجهة التخيلية يعيد المريض استثارة الصدمة بشكل بصري، الأمر الذي يتم من خلاله تنشيط شبكة تذكر بأجزائها اللفظية والحسية والانفعالية. ويطور المريض في العلاج صور مواجهة يعيد فيها رسم الذكريات الصادمة، أي «إعادة كتابتها من جديد». ويتم استبدال صور المواجهة بصور بتخيلات الضحية والصدمة، يتخيل فيها المريض كيف أنه في شخصه الراهن، كذات ناجية، يدخل الموقف الصادم ويواجهه. بالإضافة إلى أنه يتعلم، في التخيل دعم الطفل المصدوم أو الذات المصدومة، أي نفسه هو في الموقف الصادم في ذلك الوقت (Smucker & Dancu, 1999; Smucker & Niederee, 1995).

          ولا يكمن الهدف هنا في تعديل ذكريات المريض أو استكمال أجزاء الذاكرة أو إعادة بناء الذكريات الناقصة أو الغامضة، وإنما مساعدة المريض على تجاوز الشعور بأنه مازال ضحية (مواجهة انفعالية emotional Coping) (Smucker & Niederee, 1995). كما يتم استخدام عمليات إعادة البناء الاستعرافي من أجل إتاحة حصول تمثل انفعالي مناسب للصدمة واستبدال القناعات المختلة (المعطوبة) بمسلمات أكثر صحية. ويتم تسهيل هذه العمليات من خلال الحوارات السقراطية البين شخصية بين الذات المصدومة والذات الناجية (Grunert, Smucker, Weis & Rusch, 2993; Smucker, 1999). فمن خلال الحوار السقراطي يتم تعزيز الشعور بالكفاءة الذاتية والتحكم الداخلي للمريض، الأمر الذي  يحُدث قوة مضادة لمشاعر اللاحول واليأس الداخلي وعدم القدرة على الفعل التي غالباً ما تكون مسيطرة منذ الانصدام.