القتل المسعور - آموك Amok

10/03/2015 00:17

ترجمة مع بعض التصرف

تطلق تسمية القتل المسعور (آموك) بالأصل على أعمال العنف الفجائية التي لا دافع لها ذات العواقب الوخيمة والتي لم تكن في السابق معروفة إلا في مناطق الشرق الأقصى من آسيا، وأصبحت اليوم معروفة بصورة متزايدة في الشرق الأوسط والولايات المتحدة الأمريكية وأروبا وتهدد بالانتشار في مناطق كثيرة من العالم؟

فما هو القتل المسعور (الآموك)؟ ومن هم هؤلاء القتلة المسعورين المتعطشين للدماء بقلب بارد؟ وما الذي يمكن فعله ضد هذه الظاهرة؟ تلك أسئلة متعددة سوف نقوم فيما يلي من الحديث باستعراض لهذا الحدث الذي (يبدو) مفاجئاً ومن ثم غير معقول، والذي تطلق عليه أيضاً تسمية "قمة الوحشية top of Brutality "

الاسم العلمي آموك Aomk عبارة عن ظاهرة مرعبة تتزايد انتشاراً نتيجة ما تشهده المنطقة العربية في العقود الأخيرة، تأخذ مظاهر وأشكال متعددة.

كانت الإحصائيات بين عامي 1980-1990 تتحدث عن انتشار سنوي مقداره 0.03 لدى الرجال و0.002 لدى النساء (مع الانتباه للصفر الإضافي لدى النساء)، أي امرأة واحدة في كل 100000. ويتوقع اليوم أن يكون العدد قد تضاعف كثيراً وبشكل خاص من خلال الشكل غير المعقول من الآموك الذي نشهده في بعض مدارس الولايات المتحدة الأمريكية الذي تطلق عليه تسمية "إطلاق النار في المدرسة School shootings "، أي القاتل الراكض من اليافعين في المدارس، وأعمال القتل المسعور التي نشهدها في البلدان العربية وغيرها من البلدان.

غير أنه لا توجد الكثير من المعرفة حول القاتل المسعور، وحتى في المناطق التي تكثر فيها هذه الظاهرة. إذ أنه إما أن غالبية هذه الحالات تقتل في النهاية أو أنهم يقومون بقتل أنفسهم بأنفسهم.

ما هو القتل المسعور (آموك)؟

يرجع أصل المفهوم Amok إلى الكلمة الماليزية آموك Amuk ويعني "غاضباً" أو "راكضاً" أو "مستعراً". وكانت كلمة "أموكوس Amuocos" تطلق في القديم على المحاربين في الشرق الأقصى، الذين يهجمون على العدو ويمسحونه عن وجه الأرض محتقرين الموت غير هيابين منه، حيث كانت تكفي صرختهم في وجه العدو "آموك"، "آموك" لشله. وقد كان بعض الإقطاعيين يشكلون وحدات مقاتلة من الآموك الذين كانوا يدبون الرعب في جيوش الأعداء التي كانت تفوقهم عدداً، وتركهم يسبحون في حمامات مرعبة من الدم. فيما عدا ذلك ظلت ظاهرة آموك (القتل المسعور) في هذه المناطق تعتبر حتى نهاية الاستعمار على أنها كذلك شكلاً مقبولاً إلى حد ما من المقاومة السياسية ولم يتم منعها أو تحريمها حكومياً واجتماعياً إلا مؤخراً.

إلى جانب ذلك كانت هناك منذ القديم دوافع فردية من السلوك من النوع الآموكي، كاحتجاج سياسي دموي، لدى الدائنين غير القادرين على سداد ديونهم على سبيل المثال والذين كانوا يريدون تجنب الاستعباد الذي يهددهم والذين يريدون أن يموتوا بطريقة "مشرفة" لهم.

وحتى في الغرب كان هناك محاربو الآموك من نحو محاربو البرسركي berserk وهم محاربون اسكندينافيون عرفوا بقتالهم المسعور وعملوا في خدمة الأمراء الاسكندينافيين بل وحتى الأمراء البيزنطيين.

أما في هذه الأثناء فيعد القتل المسعور آموك مفهوماً موسعاً لأي شكل من أشكال العدوان الأعمى أو المسعور المترافق مع القتل أو بدونه، بل حتى لوصف "القتال أو المصارعات العنيفة التي تجري بلا رحمة" أو لوصف الحيوانات التي أصبحت متوحشة أو لوصف عنف الطبيعة المدمر.

ما هو التعريف العلمي للقتل المسعور (آموك)؟

تعرف منظمة الصحة العالمية آموك بأنه "نوبة إرادية من السلوك القاتل أو المدمر بشدة" تبدو غير مستثارة. ويفترض لهذا الفعل العنيف إذا ما أردنا الحديث عن آموك أن يطال عدة أشخاص بالتهديد، أي يؤذيهم أو يقتلهم.

كيف تتطور حالة آموك؟

جرت محاولات في الماضي لتقسيم آموك إلى أطوار أو مراحل عدة. غير أنه لابد من اختبار مدى انطباق هذا النموذج على الثقافات المختلفة.

ففي الطور المبكر يلاحظ وجود صعوبات بيئية متراكمة عند الشخص وفقدان للنظام الاجتماعي والصدو الإذلال و الإهانة و الإساءة و إلحاق الأذى بالسمعة الشخصية، على الأقل من وجهة نظر المعني. فإذا ما التقى كل ذلك مع طبعية محددة للشخص لا تستطيع أو غير قادرة على تحمل مثل هذه الضغوطات ولا تستطيع تحييدها إلا من خلال نوبة السُعْر، فإنه عندئذ لا نستبعد حدوث نوبة من التدمير المسعور (الآموك). وعلى هذه الأرضية لا يكون للمثير الفعلي عندئذ أية أهمية.

بعد ذلك –وكما تظهر الدراسات القديمة-يحصل ما يسمى "إعصار الحركة"، أي هجوم غير مخطط على الناس أو الحيوانات أو المواضيع. ويشكل "النوم العميق" نهاية نوبة السعر "النمطية"، أو بكلام علمي جمود جسدي-نفسي يستمر بين عدة ساعات حتى عدة أيام، ويحدث بشكل خاص فقدان للذاكرة، على الأقل هكذا يتم الادعاء.

غير أنه في الواقع وبشكل خاص عندما يكون هناك مصابون وقتلى يقوم المحيط الذي تصعقه المفاجأة للوهلة الأولى بصد الهجوم والقضاء على المسعور أو أنه يقوم بالقضاء على نفسه بنفسه. وهذه الحالة الأخيرة هي الحالة التي كانت سائدة في الماضي، أما اليوم فيجد المسعورون لهم المجال مفتوحاً لممارسة أشكال وحشية من التدمير والتخريب من خلال الانتماء إلى تنظيمات تستقطب مثل هؤلاء المسعورين تحت ستار أهداف عليا، لا تبدو بالنسبة لهؤلاء المسعورين أنفسهم ذات أهمية بالأصل.

التوزع العمري والجنسي والوضع الاجتماعي

في الدراسات القديمة وبشكل خاص من الشرق الأقصى كانت غالبية المسعورين من الشبان الصغار. ومن النادر من الأشخاص في أواسط العمر، وكانت غالبيتهم العظمى من الرجال فقط ومن المنتمين للطبقة الدنيا من ذوي التأهيل المتواضع.

أما الدراسات الحديثة وبشكل خاص في الغرب فتشير إلى المرحلة العمرية المتوسطة، مع تزايد المراحل الأكثر شباباً، مع أنه لا توجد أية فئة عمرية يمكن استثناؤها. ويغلب الجنس الذكوري العازب أو المطلق. مع وجود بعض الإناث.

أما فيما يتعلق بالمنبت الاجتماعي فلابد من إعادة التفكير هنا. إذ أن عدد ليس بالقليل من المسعورين القاتلين كانوا بداية مؤهلين مهنياً ومندمجين اجتماعياً: فهم غالبيتهم "غير ملفتين" للنظر نحو الخارج، ولكن بعدئذ يحدث أمر ما، غير ملحوظ بالنسبة للمحيط إلى مدى بعيد. وعندئذ قد يحدث حادث ما أو يحصل أمر ما ليس حاداً أو طارئاً أو لا يعتبر بالنسبة للمحيط ضاغطاً بشكل خاص يثير الفعل المرعب.

إلا أنه على ما يبدو فإنه يحصل وبشكل متزايد نوع من "نمو الفعل"، أي أن الانفجار العدواني يتراكم داخلياً ببطء، حتى أنه يتخذ بالتدريج شكلاً بنيوياً (الشكل والمكان والزمن واختيار السلاح). وفي هذه المرحلة بالتحديد تتجلى لنا إمكانية وقائية، وهو أمر يشغل علماء الجنايات وعلماء النفس وقوى الأمن (أنظر لاحقاً).

ما هي العوامل والأسباب والمثيرات؟

أشارت الدراسات المبكرة إلى كمية كبيرة من الأسباب الممكنة: من المعاناة الجسدية (كالصرع، الملاريا على سبيل المثال) مروراً بالاضطرابات النفسية، وبشكل خاص ما يسمى بالشكل التخشبي والبارانوئي من الفصام، وصولاً إلى التغيرات الدماغية والتسممات، على الأغلب من خلال العقاقير المخدرة كالكوكايين المثير للعنف، وهو ما يلعب اليوم كذلك دوراً.

إلا أن المركز الأول تحتله الأسباب النفسية الاجتماعية، أي الظلم والإذلال والإهانة والأذى حيث يقرر المعني بنفسه فيما إذا هذا عادلاً أم ظالماً، فيما إذا كان حقيقة أم متخيلاً، ولكن على الأغلب بمعناه المؤلم وصولاً إلى معناه المرير أو حتى اليائس.

لهذا سنقوم فيما يلي من الحديث باستعراض مختصر للأسباب الممكنة من وجهة النظر الطبية النفسية والبيولوجية والاجتماعية النفسية.

هل يمكن للأمراض النفسية أن تلعب دوراً؟

في الاضطرابات النفسية التي تتم مناقشتها كأسباب للقتل المسعور (الآموك) تلعب قبل كل شيء السموم المذكورة أعلاه (إدمان المخدرات أو المدمنات) و الأمراض النفسية و اضطرابات الشخصية-غير المدروسة حتى الآن بشكل كاف- دوراً.

ولسنا في هذا المقام بحاجة إلى نقاش الخطر المنبثق عن المدمنات، وبشكل خاص أعراض الحرمان أو السحب. فهنا يمكن أن تحدث أشكال مختلفة من العنف من بينها احتجاز الرهائن.

أما في حالة الذهانات (الأمراض العقلية) فيعتقد بأن مثيرات الآموك هي: التضررات الهذيانية بشكل خاص والخداعات الحسية في بعض الأحيان، أما من الناحية الإحصائية فهي لا تلعب دوراً كبيراً.

والأمر نفسه ينطبق على التطور العصابي الشديد المترافق مع نرجسية واضحة، أي التمركز المرضي الشديد على الذات وحب الذات مع الاستجابات المرضية المطابقة كرد فعل على الجرح النرجسي. وهناك أيضاً الاكتئابات المترافقة مع خطر الانتحار الموسع، أي أن المريض يأخذ الآخرين معه إلى الموت. ولكن هذا لاعلاقة له بالقتل المسعور (الآموك) الفعلي.

وتختلف اضطرابات الشخصية، التي كانت تطلق عليها في السابق تسمية السيكوباثية عما قيل سابقاً. وهنا وبشكل خاص الشخصيات الهذيانية أو المتعصبة أو المتبرمة النكديةquerulous . والأمر نفسه ينطبق على ما يسمى الشخصية المضادة للمجتمع وغير المستقرة انفعالياً، أي اضطرابات الشخصية العدوانية أو الانفجارية-المستثارة. وهنا تخبرنا مجرد المفاهيم التخصصية هذه الكثير حول ظاهر القتل المسعور. ومع ذلك فإن النتائج المبرهنة علمياً غير متوفرة ويرجع الأمر من بين الأسباب الكثيرة إلى النهاية المميتة للمعنيين في غالبية الحالات. وبشكل عام يمكننا القول بتلخيص أن القاتل المسعور هو إنسان يمكن ألا يكون صحيحاً من الناحية النفسية. وهذا الأمر ينبثق كلية من الفعل نفسه. ولكن فيما إذا كان الأمر يتعلق باضطراب نفسي محدد بشكل دقيق في علم الأمراض النفسية كالفصام أو الاكتئاب أو اضطراب الشخصية أو غيره من الاضطرابات النفسية، فإن الأمر ما زال غير واضح إلى حد بعيد. والرؤية التخصصية حتى الآن تقول أن الأمر ممكن في الحالات الفردية، أما في الغالبية العظمى فلا.

ما هي الأسباب البيولوجية الممكنة؟

بين الحين والآخر نسمع بظهور فرضيات بيولوجية حول أسباب القتل المسعور (الآموك). وتتم هنا بشكل خاص مناقشة مظاهر فيزيولوجية دماغية، وبشكل خاص نقص أو غياب نواقل عصبية محددة في بعض مناطق الدماغ. ويمثل هذا النقص أو الغياب الأساس العضوي لانفجار العنف اللاحق، الذي يبدو و كأنه لا يعود في اللحظة الحاسمة قابلاً للسيطرة من خلال تراكم الصراعات الاجتماعية النفسية غير القابلة للمواجهة. إلا أنه ما زلنا في هذا المجال بحاجة إلى المزيد من التوضيح والبحث. فإذا ما تم بالفعل إثبات وجود خلل بيولوجي فإن الأمل بالتدخل البيولوجي، أي الدوائي، يكون كبيراً عندئذ في الوقاية من الآموك.

هل هناك طبيعة خاصة يمكن أن تسهم بظهور القتل المسعور (الآموك)؟

تحتل هذه المسألة مجالاً واسعاً من الأعمال البحثية. ومنذ وقت طويل وجد المرء مظاهر عابرة للثقافة ومن ثم مظاهر إنسانية عامة يبدو أنها يمكن أن تلعب دوراً في الاستعداد للقتل المسعور.

أولها القدرات العقلية والوجدانية الضئيلة، أو على الأقل القدرات غير الكافية بالنسبة للوضع الاجتماعي المرجو من جهة. ومن جهة أخرى الميل ومن ثم خطر الانسحاب والعزلة؛ وأحياناً التفسير الهذياني للأحداث غير المؤذية أو التي لا خطر منها بحد ذاتها، وبشكل خاص عندما يعيش المرء محيطه بأنه عدواني، وهذا ليس بالضرورة له أن يعني أن الإنسان يعاني من الذهان، أي أنه ليس بالضرورة له هنا أن يكون مريضاً عقلياً.

وثانيها الشعور الذي يعيشه القتلة المسعورين قبل أن يصبحوا كذلك بأنه ليس هناك من شخص أو جهة تساندهم، ولا يستطيعون أن يأملوا بمساعدة انفعالية أو مادية، فهم في النهاية لوحدهم، مهجورين ومبعدين ومعزولين ومن ثم فهم ضائعون، هذا إذا ما لم يكونوا محتقرين ومحطاً للسخرية أو الهزء بهم. ويزداد الأمر صعوبة أيضاً من خلال عدم قدرتهم على مواجهة هذه المواقف المألوفة، كما يستطيع غالبية الناس الآخرين في مثل هذه المواقف أو على الأقل يحققون فيها نجاحاً مقبولاً، فمن منا لم يعان يومياً من الإحباطات.

كما يلعب ما يسمى "فقدان ماء الوجه" أو "الفضيحة" أو "فقدان الهيبة" أو "التشهير" دوراً كبيراً، وهذا يعد في الشرق الأقصى والأوسط وحده كاف لأن يكون مثيراً. غير أن الأمر لا يختلف كثيراً في الغرب، وهو ما تطلق عليه في الغرب تسمية "فقدان الهيبة prestige"، أي الانجراح والتخجيل والتشهير والاحتقار من الآخرين، مما يؤدي إلى الشعور بالخزي واحتقار الذات وأخيراً إلى الكره "المجرد"

هل هناك أنماط مختلفة من القتل المسعور (الآموك)؟

يرى ما يسمى الطب النفسي العابر للثقافات وبناء على دراساته حول القاتلين المسعورين في الشرق الأقصى أنه توجد عدة أنماط من القاتل المسعور (الآموك). ولكن لا يمكن الجزم فيما إذا كان يمكن نقل الأمر إلى الثقافات الأخرى. ويمكن تقسيم هذه الأنماط المعروفة حتى الآن إلى الأشكال التالية.

·         يوجد نوع من القتلة المسعورين الذين يعتبرون بالطبيعة لطيفين وودودين ويعانون من صعوبات في التعبير عن حاجاتهم وبشكل خاص في التعبير عن عدوانيتهم بشكل فاعل (أي "تراكم العدوانية"). وهنا يمكن أن يحصل على الرغم من ذلك انفجار للعنف، وبشكل غير متوقع بالطبع.

  • نوع آخر من القتلة المسعورين يعتبر بأنه بحاجة لتوكيد ذاته بشكل مرضي، يستعرضون أنفسهم باستمرار وهم حساسون بشكل غير عادي تجاه الفقدان المذكور لماء وجههم واعتبارهم. وهنا ربما لا يفاجئنا إذا ما حدثت مثل تلك الأفعال.
  • النمط الثالث يعد متمركزاً حول الذات بشكل شاذ، سريع التوتر، بل سريع الاستثارة مولع بالمشاجرة وربما متعصب ونكد ومتبرم ويمتد من العدوانية إلى الانفجارية. وهو يحتقر المعايير الاجتماعية والقوانين والواجبات، ويعد غير جدير بتحمل المسؤولية وعاجز عن احترام مشاعر الآخرين وعن إقامة علاقات طويلة الأمد. ولا يمتلك عتبة منخفضة للسلوك العدواني فحسب وإنما هو غير قادر على تنمية شعور بالذنب كذلك وعاجز عن التعلم من الخبرات بل حتى ليس من العقوبات.

فإذا ما وصل مثل هذا الإنسان في إطار القتل المسعور للسلاح فإن العواقب تكون مرعبة إلا أن مثل هذا النمط لا يفاجئنا في أفعاله مثل النمطين الآخرين.

وهناك محاولات جديدة للوصف حاول العلماء استنتاجها من التقارير الإعلامية. ويتم هنا التمييز بين "الأنماط الفرعية التالية من الجناة":

·         فمن ضمن القاتلين المسعورين الذين قتلوا أنفسهم في النهاية هناك فئتين:

-         النمط الأول هم أولئك الجناة الأكبر من حيث السن، غير الملفتين للنظر قبلاً الذين يدبون الرعب في أفراد أسرتهم فقط، وغالباً ما يحدث هذا بالسلاح. وهؤلاء يحدثون إصابات قاتلة دقيقة بحيث لا ينجو أحد من الضحايا على الإطلاق.

-         النمط الثاني هناك مجموعة يشبهون بطريقة دقيقة ملفتة للنظر أفلام هوليود النمطية الكثيرة: إذ يتعلق الأمر هنا بمخبول عازب وفقير التواصل، ومحروم جنسيا وإلى حد ما مازال يعيش عند أمه. وهؤلاء الجناة يعتدون إما على أشخاص غرباء أو يقومون بهذا بعد أن قاموا في الطفولة بقتل أقرب الأقارب لهم من أسرتهم.

·         وبالمقابل هناك قاتلون راكضون لم يقوموا بقتل أنفسهم، أظهروا نمطاً مختلفاً من التصرف: فهؤلاء سببوا أضراراً مادية غير طبيعية على سبيل المثال، استخدموا فيها أسلحة غير مألوفة، كالسيارات الكبيرة والصغيرة أو الباصات أو حتى الجرافات أو الدبابات، التي إما كانوا يمتلكونها أو أنهم كانوا يعرفون قيادتها بناء على معارف سابقة ملائمة. وتقود سلسلة القتل الاندفاعية إلى عدد قليل من القتلى، ولكن بالمقابل إلى أضرار مادية بما في ذلك تعريض الناس الذين لا دخل لهم للخطر والذين نجوا إما بناء على إجراءات اتخذها رجال الأمن أو بالصدفة أو الحظ نتيجة تصرفهم السريع.

إطلاق النار المدرسي

هناك ظاهرة تطلق عليها تسمية إطلاق النار المدرسي  School Shootingوتتمثل في القتل الذي يقوم به طلاب مدرسة لزملائهم في مدرستهم أو لطالب معروف لهم في مدرسة أخرى أو المعلمين أو الموظفين الآخرين أو والديهم.

وقد اعتقد حتى الآن أن الأمر يتعلق بظاهرة خاصة بالولايات المتحدة الأمريكية، وتم عزو الذنب هنا إلى إيديولوجية الفرد، التي تنادي بالمنافسة الحرة للقوة والتي لا تبدي إلا القليل من التفهم لضعف الإنجاز الفردي ونقص في القدرة على توكيد الذات. وكذلك إلى سهولة الحصول على السلاح هناك. غير أن هذه الظاهرة قد بدأت تظهر في دول أخرى أيضاً.

غير أنه قد ظهر هنا أن هذا النوع من القتل المسعور لم يكن إلا في الحالات النادرة جداً عبارة عن "جنون أعمى"، أي أنه لم يكن عبارة عن عمل اندفاعي فجائي انبثق من موقف مطابق. إذ أن كل الجناة تقريباً قد فكروا قبل ذلك بالأمر. ولدى أكثر من النصف سبق الأمر تخطيط استمر لعدة أيام. وكذلك تظهر الحقيقة المتمثلة في أنه في غالبية الحالات يتم اختيار الضحايا بشكل مقصود، وغالباً ما يكون قد تم وضع قوائم قتل وتمت ممارسة "إعدامات" منتظمة، فمرحلة التحضير تمثل القاعدة أكثر مما تمثل الاستثناء.

وعليه فقد أصبح آموك المدرسة شكلاً خاصاً على ما يبدو يشعر فيه اليافعون بالاستبعاد ويقومون بالانتقام من العالم الصاد لهم من خلال التصفية الدموية التي يذهبون هم أيضاً ضحية لها.

ما هو الدور الذي تلعبه سهولة الحصول على السلاح؟

من البديهي أن يتعلق المدى الذي يمكن أن يصبح إنسان ما "مستعد لفعل أي شيء"، خطير بعوامل متنوعة.

أهمها طبيعته وتاريخه السابق والمثيرات والمواقف النوعية بشكل عام، وبالسلاح بشكل خاص.

وعلى الرغم من أن حجة لوبي السلاح المقابلة تقول إن من يريد الوصول إلى السلاح سوف يحصل عليه حتى ضمن أصعب الظروف، إلا أنه من ناحية أخرى تتسلسل خطوات الخطر في القتل المسعور وفق الخطوات التالية:

  1. يتم إساءة استعمال المواضيع من مختلف الأنواع كسلاح.
  2. الأسلحة التي كانت في السابق تعد السلاح التقليدي للقتلة المسعورين (الآموك) كالسكاكين والخناجر والحراب والسيف والمنجل والبلطة...الخ،
  3. من المسدسات إلى السلاح الآلي أو القنابل اليدوية (نوع خاص من القاتل الراكض الغدار، ذلك أن الفاعل يستطيع أن يقنع نفسه بألا يشارك مباشرة كما هو الحال في الزرع الخبيث والغدار للقنابل) وأخيراً
  4. استخدام ترسانة الأسلحة كلها التي يمتلكها معظم الجناة أو التي يمكن أن يمتلكونها في المستقبل.

أو باختصار قد لا تلعب الأسلحة دوراً في التطور النفسي الداخلي في الآموك، إلا أنها بالنسبة للنهاية المرعبة ذات أهمية كبيرة في العادة.

ما هو الدور تلعبه وسائل الإعلام؟

هناك خلافات في الرؤى حول دور وسائل الإعلام في أعمال العنف. ومن المعروف منذ زمن بعيد جداً أن العرض المتكرر على الشاشة لمشاهد العنف يرفع من العدوانية و يجعلها تستمر ويقويها.

إلا أنه يبدو أن الأمر يتعلق بالسياق الذي يتم فيه عرض العنف: فالعدوانية التي تتم ممارستها بمتعة والتي تضع نصب عينيها غاية أخلاقية مبررة وتتم ممارستها من قبل نموذج إيجابي (كالبطل الذي يساعد على تحقيق العدالة)، يرفع الميل نحو التقليد المتسم بالعنف. ولكن بالمقابل إذا ما احتلت العواقب السلبية للفعل مركز الصدارة وتم عرض الجاني على لأنه شخص مزدوج الشخصية فإن هذا يمكنه أن يرفع عتبة الكبح تجاه العنف.

لهذا يقول المتخصصون في هذا المجال أنه بالنظر للفيض العارم من عروض العنف الذي يتعرض له اليافعون والأطفال خلال ساعات طويلة من اليوم فإنه لا يمكننا هنا تحديد أسباب أولية لمثل هذه الأنواع من المذابح الجماعية. ومن الممكن أن يختلف تأثير وسائل الإعلام إلا أنه لا يمكن عزو الذنب لها وحدها، وإلا كان من المفترض أن تحدث الكثير من أعمال العنف. إذ أن ملايين اليافعين وحتى الأطفال الذين يخضعون يومياً لهذه التأثيرات المتناقضة. إلا أن التأثير الأكبر يبدو أنه يكمن في الميل الفردي أي للشروط النفسية بالمعنى الأوسع.

بالمقابل تبدو ألعاب الكمبيوتر على أنها أكثر إشكالية (بندقية الأنا Ego shooter)، التي يستطيع فيها قتل العدو المفترض. وهذه  يمكنها من خلال قربها التصويري الشديد جداً من الواقع أن ترفع من الميل الموجود لوهم العنف و السلطة و ممارستها و تقويتها بحيث أنه يبدو أنها لا تمهد للعنف فحسب وإنما ترفع دقة الإصابة في الحالات الفعلية.

كما يمكن كذلك للتقارير الإعلامية حول القاتل الراكض أن تؤثر بشكل كبير على العواقب الممكنة. فأبحاث الانتحار تعرف مثل هذه الظواهر من التقليد تحت مفهوم "تأثير فرتر Werther-Effect[1]. فهناك يظهر أنه يمكن للأفلام التي تعرض انتحارات مثيرة وبشكل خاص ذات العاقبة المباشرة، يمكن أن تسهم بارتفاع الانتحارات، وبالتحديد لدى اليافعين. وكذلك لدى القاتلين المسعورين يبدو أن مثل هذا الارتباط ممكناً إلى حد ما.

وبهذا  فإن تأثير وسائل الإعلام على مسألة محاكاة نوبات العنف قائم. و الخبرات الحاصلة في العالم لا تبشر بالخير. وبشكل خاص القتلة المسعورين اليافعين الذين يريدون من خلال حمامات الدم هذه أن يحضوا بالسلطة المطلقة، يمكن أن يتحولوا إلى نماذج ممكنة جاذبة للمحاكاة وبالتحديد بالنسبة للشخصيات التي تعاني من ضعف الأنا مع نقص في إمكانات التعويض مع حنق عارم وغضب عدواني وعداوة.

وهذا يعني أنه ينبغي عدم عرض القتلة المسعورين وبشكل خاص من اليافعين و لا عرضهم بأنهم ضحايا القدر أو أنهم يتصرفون من دون إرادتهم أو مغرر بهم. بل ينبغي أن يتم توضيح التمزق والضعف الذي دفعهم هذه الأفعال الشنيعة. وبهذا ربما نتمكن من الحد على الأقل من تجسيد وظيفة القدوة المهددة لمثل هؤلاء الفاعلين، والتقليل من العدد الممكن لأعمال العنف على الأقل.

ما الذي يمكننا فعله؟

هل يمكننا استنتاج مضامين وقائية ممكنة من حمامات الدم المعروفة حتى الآن؟ فالوقت يلح. إذ أن الآموك عبارة عن حدث جاذب يجد صدى مدوياً على مستوى العالم. ومن ثم فهو مرتبط بما يسمى "بتأثير الامتصاص". ويعرف المسؤولون هذا وهم في سباق مع الزمن. فالمتخصصون بعلم الجنايات وعلماء النفس والأطباء النفسيون وقوى الأمن يحاولون من خلال دراستهم للملفات والتقارير التي تم الحصول عليها من خلال شهود عيان والأقارب وحتى مع الجناة الناجين من الموت في السجون الوصول إلى معلومات يمكنها أن تحسن من الوقاية بشكل خاص.

ونتائج مثل هذه الدراسات مخيبة للأمل، على الرغم من أنها قد تكون في بعض الأحيان مرشدة لنا، هذا إذا ما لم يثق المرء بأنماط بسيطة وساذجة من التفسير. إذ أنه يبدو أنه لا يوجد نمط موحد للقتلة المسعورين من جهة، غير أنه من جهة أخرى يبدو أنه توجد بعض الخصائص المشتركة، لا بد من مراعاتها. فعلى سبيل المثال أن كل القتلة المسعورين من طلاب المدارس هم ممن الذكور. وبالعكس: فإن الادعاءات الصارمة أن القاتلين المسعورين من اليافعين هم دائماً قادمون من "أسر مهدمة" أو أنهم كانوا دائماً "أفراداً منعزلين" قد أثبتت نفسها على أنها مجرد استنتاجات خطأ متسرعة.

وعليه لا يوجد نمط تفسير موحد. فالأمر يتعلق بنوع من اللغز المحير، يمكن أن تلعب فيه مجموعة كبيرة من العوامل دوراً لينتهي بانفجار كارثي.

ومن ناحية أخرى يبدو أنه توجد بعض العلامات التي تشير إلى الخطر، أو على الأقل التي يفترض أن يتم التعرف عليها، من أجل تجنب الأخطاء الكبيرة والإهمالات وسوء التقدير: ومن بينها الأسئلة التالية:

-         هل يتعلق الأمر بشخصيات نرجسية مع تمركز مرضي على الأنا وقابلية مطابقة للجرح النفسي.

-         هل يوجد عتبة ضئيلة من تحمل الإحباط (ينزلق بسرعة في حدود الإرهاق ويستجيب عندئذ ليس بالإحباط وإنما بغضب وبشكل لا يمكن حسبانه)؟

-         أيوجد قفزات سلوكية مفاجئة (على ما يبدو تغيرات غير قابلة للتفسير في الطبيعة وفي الظهور والاحتكاك البين إنساني)؟

-         أيوجد استهلاك ملفت للنظر متمركز على محتويات عنف؟

-         هل يتم التسامح في المحيط الواسع مع السلوك المرضي-العدواني، أو الحدودي من هذا المنظور على الأقل، هذا إذا لم يكن يشجع (_رامبو وأنماط أخرى من القتلة)؟

-         أتفتقد الثقة والدفء في محيط المعني؟

-         هل يسهل الوصول إلى السلاح؟

-         أيعاني المعني من الاكتئاب مع الميل للانتحار (العدوانية الذاتية يمكن أن تتحول بسرعة إلى عدوان على الآخر، وتعود ثانية للذات)؟

-         هل كان المعني في الماضي غالباً هدفاً للسخرية والتهكم والانتقاد أو الاستبعاد أو الملاحقة من الرفاق أو الزملاء أو الجيران...الخ.

وما تتكرر ملاحظته مراراً هو الإهانة العميقة التي تمت الإشارة إليها مراراً، المستثارة على الأغلب من خلال عدم التفهم والصد والسخرية والتهكم والإذلال...الخ. عندئذ يستجيب المعنيون على هذا التضرر المعاش بهذه الطريقة ومشاعر القيمة الذاتية المهددة بالانسحاب إلى عالم من الهوام أو الخيال الذي تعاش فيه القوة والسلطة بشكل متضخم ومبالغ فيه. فإذا ما أضيف الكره إلى ذلك، والكره الأعمى بالتحديد لدى نمط من الشخصية لا يستطيع التحكم بهذه القوة التدميرية عندئذ فإنه لا يمكننا أن نستبعد انفجار العنف الذي لا تحمد عقباه.

 

 


[1] ظاهرة معروفة في علم النفس وعلم النفس الاجتماعي ودراسات الانتحار وتتمثل في ملاحظة العلاقة القائمة بين ازدياد التقارير عن الانتحار في وسائل الإعلام وزيادة عدد حالات الانتحار. وهي نوع منالتقليد الذي يحصل بعد تقارير أو روايات عن الانتحار. وقد جاء الاسم من رواية غوتة آلام الفتى فرتر (أو آلام فرتر)، حيث زاد عدد حالات الانتحار بعد نشر الرواية. 

 

للخلف