العلاج المتمركز حول المتعالج

10/08/2013 09:49

 

المبدأ المتمركز حول الشخص لكارل روجرز

العلاج النفسي المتمركز حول الشخص لكارل روجرز

Samer Rudwan

منذ تأسيس إدارة الجلسة المتمركزة حول الشخص من خلال عالم النفس الأمريكي كارل روجرز1902-1986)Carl R. Rogers    ساعد هذا المبدأ في الإرشاد آلاف الناس كما هو مثبت في دراسات إمبيريقية عديدة. فقد تعرف كارل روجرز من ممارسته العلاجية والإرشادية عن طرق  إمبيريقية بالكامل من الأسفل للأعلى bottom-up على شروط أو متطلبات بسيطة ولكنها مهمة للإرشاد الناجح.وعليه فإن التحليل الشامل لمشكلة شخص ما أقل أهمية إلى مدى بعيد من الإصغاء المتفهم والدقيق لهذا الشخص، وإظهار الاحترام تجاهه و إجراء محادثة  conversationصريحة وحقيقية على سبيل المثال.

 

الفرضية الأساسية للمبدأ المتمركز حول المتعالج

 الفرضية الأساسية لمبدأ لكارل روجرز بسيطة جداً:  فضمن شرط أن يتم توفير جو مساعد، يتصف بإشعاع  الشفافية أو الأصالة و التقدير الإيجابي و إبداء التفهم للشخص، يتحرك كل شخص ويدرك هذا الجو أيضاً، إلى حالة يمكن وصفها على النحو الأمثل من خلال كلمات كارل روجرز نفسه على النحو التالي:

“The other individual in the relationship:

will experience and understand aspects of himself which previously he has repressed;

will find himself becoming better integrated, more able to function effectively;

will become more similar to the person he would like to be;

will be more self-directing and self-confident;

will become more of a person, more unique and more self-expressive;

will be more understanding, more acceptant of others;

will be able to cope with the problems of life more adequately and more comfortably [Rogers,1961; p.37-38].

 

"الفرد الآخر في العلاقةِ:

سيعيش  المظاهر التي قمعت سابقاً في نفسه،

سَيَجِدُ أنه قد أصبح أكثرَ تكاملاً وأقدر على الفاعلية الوظيفية؛

سَيُصبحُ أقرب لما يوَدُّ له أَنْ يَكُونَ؛

سَيَكُونُ أكثر قدرة على إدارة نفسه وأكثرَ ثقة فيها؛

سَيُصبحُ أكثر مِنْ مجرد شخص، وأكثر فرادة وأكثر قدرة على التعبير عن نفسه،

سَيَكُونُ أكثرَ تفهماً و أكثرَ تقبلاً و تعاطفاً مِنْ الآخرين؛

سَيَكُونُ أكثر قدرة على مواجهة مشكلات الحياةِ بشكل مناسب وأكثر أريحية.

 

الإرشاد، التدريس، المجموعات

قام كارل روجرز بتدقيق وتخصيص الشروط الأولية المبحوثة و كذلك عملية النمو الشخصي بدرجة كبيرة، و بشكل رياضي تقريباً وذلك في نظريته حول العلاج النفسي و الشخصية و العلاقات البين إنسانية. و سرعان ما أدرك عبر عمله أن الشروط المكتشفة ليست ذات أهمية بالنسبة للجلسة الثنائية فحسب وإنما هي مهمة أيضاً بالنسبة لمواقف الجلسات الجماعية من نحو عملية التعلم أو مجموعات المواجهة Encounter groups و المشاغل Workshop. إذ يبرهن كبير من الدراسات الإمبيريقية نجاح التعليم المتمركز حول المتعلم، الذي يقوم على الأساس نفسه للإرشاد المتمركز حول الشخص. ويمكن القول في هذا المجال باختصار أنه من خلال الثقة الأساسية في المتعلم و خلق جو داعم و متقبل و مشجع، يقوم فيه المعلم بدور المسهل  Facilitators (يهيئ to facilitate = ) ، فإن المتعلمون يقدمون المتعلمون أعلى إنجاز إبداعي. و هنا لا تلعب ماهية المادة المعرفية أي دور بالضرورة سواء كانت لغة إنجليزية، أم أحياء، أم رياضيات..الخ. ويمكن للمعلمين المهتمين الرجوع إلى دراسات الحالة العديدة لدى روجرز (1983). كما أن طريقة تأثير المبدأ المتمركز حول الشخص في المشاغل workshop  و مجموعات المواجهة من مختلف الحجوم موثقة في روجرز (1984).

 

 

 

العلاج المتمركز حول الشخص والمبادئ العلاجية الأخرى

    يمر الإرشاد النفسي والعلاج النفسي في حالة من الجدل الحاد و المنافسة بين المدارس المختلفة. و بشكل خاص يبدو أن التحليل النفسي التقليدي غير قابل للتوفيق مع المبدأ الإنساني لكارل روجرز.  ويرجع عدم التوافق هذا إلى الاتجاه الأساسي المختلف نحو الإنسان. إذ يقف مقابل الاتجاه الأساسي الهدام بشكل جوهري عند فرويد الاتجاه الأساسي الإيجابي و التوجه نحو النمو الإنساني عند كارل روجرز.  و المبادئ الأحدث من نحو المبدأ القائم على أساس نظرية اللعب أو تحليل التعامل كبيرن (1961-1984) Berne وهاريس Harris (1970) على سبيل المثال تشترك بأنها تقدم قواعد من أجل تفسير المشكلات أو سوء التكيف.  ولعل التأمل في مظهر السياق بمكن أن يقدم لنا مقياساً ملموساً يتيح لنا من خلاله التفريق بين مبدأ كارل روجرز عن المبادئ الأخرى. ففي مبدأ روجرز يتم حل كل المشكلات بناء على الاستبصار الذاتي للشخص نفسه (نسميه متعالجClient )، داخل إطاره المرجعي الداخلي أو سياقه. أما الإطار الخارجي لحل المشكلة، فيقدمه الشريك المتفهم أو المساعد facilitator  (يسمى بالأصل معالجاً  Therapist وفي العلاج النفسي كذلك)، الذي يقوم بنحت ذلك الجو المنمي اللازم من أجل النمو، كما عبر روجرز عن ذلك أعلاه بكلماته الخاصة

ونحن ننطلق من الفرضية القائلة: بأن الشخص نفسه، قادر على تمثل [استيعاب، فهم] خبراته الفردية الذاتية (إدراكها شعورياً) أفضل من أي شخص آخر و يستطيع طرحها في الجلسة. و من هذه الفرضية يمكن أن نستنتج أنه من المفترض أن يكون المبدأ المتمركز حول الشخص متفوقاً على كثير من المبادئ الأخرى.  فهذه المبادئ الأخرى تشترك جميعها باستخدام سياقات وتقنيات غريبة (أي ليست نابعة منها)، حيث يفترض للشخص الفردي أن يتفهمها (يتمثلها) بهدف حل المشكلة. أو أن شخص ثان  يبحث عن التوترات الداخلية لشخص ما من أجل مساعدته على التغلب على هذه التوترات. وعليه فإن المعالج أو المرشد يلعب في هذه المبادئ دور الخبير الذي يعرف في النهاية كيفية حل المشكلة.

 

حل المشكلات و تفتح الشخصية في المبدأ المتمركز حول الشخص

يمتلك المدخل المتمركز حول الشخص إمكانات عالية جداً، لأنه الأكثر انسجاماً مع الشخص المتفرد نفسه، أي مع سماته الموروثة و المتعلمة و مشاعره و قيمه –وبشكل خاص- مع خبراته. بالإضافة إلى ذلك فإن المبدأ لا يساعد في حل المشكلات فحسب و إنما هو ملائم بشكل خاص لحث نمو الشخصية باتجاه إبداعية أعلى وانفتاح أكبر و قدرة أعلى على التعبير  وتوازن داخلي أكبر وتقرير ذاتي أكبر و رضا أكبر عن الذات...الخ(Rogers, 1995) . و تعد هذه الصفات اليوم ذات أهمية عالية لكل المهن ذات المطالب المرتفعة، من نحو إدارة مشروع ما، على سبيل المثال لا الحصر.

 

 التصور الإنساني للإنسان في مبدأ كارل روجرز

يقوم المبدأ المتمركز حول الشخص على صورة محددة للإنسان ومفهوم أنثروبولوجيanthropology. و على العكس من فرويد فإن روجرز مقتنع بأن العضوية الإنسانية تستحق الاحترام. و أنه في كل عضوية تكمن استعدادات لا حدود له يمكنها دفعها نحو فهم نفسها و تعديلها بشكل بناء. و يقول شميدت في هذا الصدد: "روجرز مقتنع بناء على خبراته أن الطبيعة الإنسانية تستحق الاحترام وبناءة و خلاقة و اجتماعية و موجهة نحو النضج(Schmid, 1989, P. 100).. و يشير شميدت إلى تحقيق الذات الذي يصنف تحته تحمل المسؤولية الذاتية و تقرير المصير و تشكيل الذات Self-Gestalt . و يذكر روجرز  وكأنها الدافع إذا جاز التعبير لمواصلة نمو كل عضوية، و من ثم أيضاً "الميل الإنساني للتحقيق humanistic actualization tendency .

 

الشروط الثلاثة

افترض روجرز وجود ثلاث شروط من أجل حدوث Process  علاقة حاثة للنمو، باعتبارها شروط كافية و ضرورية. و هذه الشروط، والأفضل تسميتها اتجاهات أو مواقف (طريق الكينونة "Way of being" )  لا بد أن يتم توصيلها من شخص  واحد على الأقل و أن يخبرها شخص آخر (أو أشخاص آخرين). وهذه الشروط هي:

  • الأصالة أو الانسجام (الانسجام، الواقعية،  الشفافية  Congruence, realness, tranparancy
  • التقبل أو تقدير القيمة غير المشروط (aceptence, unconditional positive regard)
  • التعاطف أو التفهم المتعاطف  (understanding, empathy).

يقول روجرز: "من أجل مثل هذا الجو الحاث للنمو هناك ثلاثة شروط ضرورية،  بغض النظر عما إذا كانت المسألة تتعلق بعلاقة بين المعالج والمتعالج أم بين الوالدين والطفل أو بين مدير الجماعة والجماعة أم بين المعلم والطلاب أو بين المدير والموظفين. إنها تنطبق عملياً على كل موقف يكون هدفه التفتح الإنساني" (Rogers, 1990, P. 20)

 

 

 

الاتجاه الأساسي

 يتحدث شميدت عن اتجاه أساسي  وتحقيق هذا الاتجاه، الذي يحتل بشكل مقصود بالكامل مكان "الطرائق" و "التقنيات". "وبهذا لا بد من التأكيد على أن المسألة ليست عملية استخدام مصطلحات فنية أو طرق قابلة للتعلم بشكل منعزل، وإنما يتعلق الأمر بمدخل إلى العلاقة وفي العلاقة".“ (Schmid, 1989, P. 119).

 الانسجام (الأصالة )

أطلق روجرز على الأصالة وعدم التصنع congruence (اللاتزوير) تسمية الانسجام. ويمكن كذلك تسميتها بالأصالة authencity  حسب شميدت. وتعني الأصالة أن المرشد لا يخفي ذاته خلف قناع أو واجهة شخصية، وإنما أن يكون قادراً على إدراك مشاعره و ترميزها symbolize (على تشفيرها to coding  و توصيلها و وإعلانها).  فالمعالج أو المرشد  في العلاقة هو نفسه. ففي العلاقة العلاجية فإن الأمر الحاسم لوحده هو  أن يكون المعالج هو بالضبط "هو نفسه" في العلاقة، مهما كانت الذات في هذه اللحظة" (Rogers, 1991, P. 41).

وكلما كان المعالج أو المرشد في العلاقة أكثر أصالة و لا يتخفى وراء أي واجهة شخصية أو مهنية زاد احتمال أن يغير المتعالج من نفسه و يتفتح بطريقة بناءة. "المعالج يعيش بوضوح (بصراحة) مشاعره و اتجاهاته التي تحركه في هذه اللحظة، إنها شفافة بحيث يرى المتعالج بوضوح شديد ما هو المرشد في العلاقة. "وعليه يوجد تطابق أو انسجام وثيق بين الخبرة الجسدية و محتويات الشعور و ما يتم إخباره للمتعالج" (Rogers, 1990, P. 20) .

 

التأثير المتبادل للشروط

سوف نناقش هذا الاتجاه –منظوراً إليه بشكل منعزل- بشكل نقدي، المسألة القائلة أنه حتى التجاهل أو عدم الاحترام يمكنهما أن يكونا أصيلان على سبيل المثال والفكرة القائلة إنه من الممكن للسيطرة التوجيهية أن توافق شخصاً ما.

لقد أكد روجرز بوضوح على أن أصالة المرشد متجذرة في التأثير المتبادل للمتغيرات الثلاثة كلها،حيث يقول في هذا السياق: "من أجل أن يتحرك العلاج فإن كلانية (أصالة congruence) المعالج ذات أهمية أساسية، ولكنه من المفترض أن يتألف جزء من أصالته من خبرة القبول الإيجابي غير المشروط والتفهم المتعاطف" (Rogers, 1991, P. 42). و الإرشاد الناجح لا يمكن أن يكون تقنية ولا أداة، ولكنه أيضاً لا يمكن أن يكون عفوياً intuitive و لا عشوائياً. وعليه فإن السياق الكلي يقود إلى أنه لا يمكن ببساطة أن يتوفر التقدير الإيجابي و التفهم المتعاطف في  التجاهل أو عدم الاحترام.

 

التقبل

الاتجاه الثاني  للمرشد هو التقدير غير المشروط  أو التقبل أو الاهتمام . وهذا يعني أن النمو أو التغيير يكون أكثر احتمالاً، إذا ما كان للمرشد اتجاهاً متقبلاً ومقدِّراً  نحو ذلك الذي ما يكونه المتعالج في هذه اللحظة. إنه تقدير و احترام للمتعالج غير مرتبط بأي شرط من الشروط. وهذا الاتجاه يمنح المتعالج الاطمئنان في التعبير عن المشاعر التي تحركه في اللحظة الراهنة-الغضب،التشتت، الحنق، الشجاعة، الحب أو الفخر، العدوانية أو الحنان، الرفض أو التقبل، الثقة بالنفس أو الحط من النفس. فاهتمام  المعالج بالمتعالج في العلاقة لا يتضمن أي مركب تملكي أو تقييمي.

و يصبح احتمال التعديل البناء في المتعالج ممكناً بشكل أكبر عندما يكون التقبل عنصراً غالباً في العلاقة. وعليه فهو ليس ضرورياً و لايجب اعتبار أنه  من "الواجب على المعالج أن يبدي الاهتمام الإيجابي بالمتعالج باستمرار. فالاهتمام الإيجابي يعني أن المرشد "يحترم المتعالج كشخصية، وذلك بتلك النوعية من المشاعر التي يشعر بها الوالدان تجاه طفليهما، عندما يعترفان به كشخصية بغض النظر عن سلوكه الراهن. وهذا يعني أن يهتم المعالج بمتعالجه بطريقة غير تملكية بوصفه اهتمام بإنسان مليء بالإمكانات  (Rogers, 1985 a, P. 218).  والشعور في هذا الاهتمام هو نوع من الحب، الذي يمكننا اعتباره على أنه إعجاب agape ، وهو لا بالسلطوي (البطريركي (Patriarchic و لا بالوجداني (عاطفي، حساس sentimental) ولكنه أيضاً ليس اهتماماً مجاملة سطحية (Rogers, 1985 a, P. 218).

التعاطف Empathy

التعاطف أو التفهم المتعاطف هو المظهر الضروري الثالث للعلاقة. و يعني هذا الاتجاه أن يصغي المعالج للمتعالج بدقة و يحاول أن يفهمه في هذا.  إنه يتحسس محتويات الأهمية الشخصية المعاشة من المتعالج و يعبر عن هذا الفهم للمتعالج. إنها ليست مجرد المحتويات الشعورية والمرمزة للمتعالج هي وحدها التي يفهما المعالج بشكل تعاطفي عند التبادل العميق للمشاعر الذاتية و العالم الداخلي للمتعالج، وإنما أحياناً حتى تلك المحتويات التي يمكن أن تكون واقعة تحت عتبة الشعور. وهذا لا يحدث أيضاً بشكل مستمر، خصوصاً وأن المحتويات الواقعة تحت المستوى الشعوري للمتعالج لا تطفو بشكل "ناجح" إلا بشكل نادر.

الأمر الحاسم هنا إدراك جزء واحد من الجو الخاص للمتعالج، وكأن المعالج هو المتعالج. وعلى المعالج أن يفرق إدراك كلا المستويين من المشاعر بشكل تمايزي (مشاعره و مشاعر متعالجه). وهذا لا يمكن أن يتم تبنيه من خلال تدريب بسيط نسبياً للتعاطف، الذي يبدأ بالإصغاء. فهنا تكون الشخصية ككل ضرورية. ووفق روجرز فإن التعاطف "ربما يكون أكثر المتغيرات سهولة للاستكمال بالتدريب. فالمعالجون يستطيعون أن يتعلموا بسرعة كبيرة أن يكونوا منصتين أفضل و أكثر حساسية و تعاطفاً. فهي من جهة مسألة تدريب و من جهة أخرى مسألة اتجاه. و من أجل أن يكون المرء أكثر أصالة ومشاركة على المعالج أن يخبر نفسه بطريقة أخرى و هذه العملية هي عملية بطيئة و معقدة" (Rogers, 1990, P. 22).

ملاحظات ختامية

حاولنا هنا عرض أعمال روجرز بشكل مبسط جداً. ولكننا نأمل أن نكون قد استطعنا أن نوصل جزءاً مما يكمن خلف هذا المبدأ. كما أن الأمر هو أن كل عرض كتابي للمادة، مهما كان دقيقاً وواسعاً فإنه يمس بالدرجة الأولى المركبات المعرفية فقط، في حين أن المبدأ نفسه يتوجه للشخص بوصفة وحدة من التفكير والإحساس و الخبرة. ومن يرغب في النهاية أن يقرر التعمق في هذا المبدأ أو أن يخبره أو أن يتبناه لحياته، فإننا نتمنى له التوفيق في هذه الرحلة إلى الذات.

للخلف