التربية والعدوان

24/08/2013 06:51

يتشبع التواصل البين إنساني في مجالات الحياة الاجتماعية بدرجة كبيرة بالأسلوب التبخيسي - العدائي، وبشكل خاص في التربية والسياسة.  وقد أظهرت الدراسات التي قام بها كل من راينهارد و آنا ماري تاوش في البيوت والصفوف  المدرسية أن عشرات آلاف الأطفال يتعرضون للتبخيس  والتثبيط والتعليقبات الساخرة على كل ما يبدونه تقريباً.

وفي هذه الأثناء نعرف من دراسات علم نفس الأعماق (فرع من التحليل النفسي)  بأن النوايا التربوية الطيبة والتي تود أن تصنع من الطفل "إنساناً مؤدباًَ" ما هي إلا مجرد تمويه أنيق. تمويه لتلك الطاقة العدائية، التي تجتاح الراشد وتتوجه ضد الأطفال كأفضلية، لأنهم عاجزون عن الدفاع أولاً، و لأنهم ثانياً يبدون بلا تحفظ كل تلك المشاعر والتصرفات التي كان الراشد قد تعلم كبتها في ذاته، ومن ثم فهي مستنكرة منه و لا بد من شيطنتها و مقاومتها في الطفل.  إن  النهج المضفى عليه الصفة الأخلاقية المتمثل في مقولة: ("على الإنسان أن يعامل أطفاله باحترام ولا يؤذي كرامتهم بالكلمات والأفعال!") لاتساعدنا هنا كثيراً، ويسبب للوالدين والمعلمين مزيداً من تأنيب الضمير  -والخليط الناجم من العداوة ومشاعر الذنب لا يقود عند الطفل إلى الخير . ويبدو  أنه من الأفضل الإحاطة بأزمة الوالدين والتي لاتقل عن أزمة الأولاد. إن الإصلاح الخيِّر لتبخيس الذات الكامن خلف ذلك هو أكثر إلحاحاً من التشهير بالسلوك الناجم عن ذلك – من منظور علاجي  في كل الأحوال، والذي بالطبع غير ممكن دائماً.

من يسمع في العلاج الأسري أن الأب قد جر ابنه الصغير  من دون سبب إلى الغابة كمن يجر شخص إلى الإعدام، لتعليمه بالعصا كيف يكون الأدب، فإنه سيظن مقشعراً أنه يرى الشيطان متجسداً أمامه؛ ومن يشهد بعدئذ  كيف أن نفس الأب يرى نفسه في أسرته وحيداً ويشعر بأنه معزول من الاتصال الحميم الذي يبدو أنه قائم بين الأم والأولاد، وكيف يخرب بانتظام  وفي "الوقت المناسب"  الجو الحميمي القادم في العيد، كي لا يكون واقعاً تحت رحمة هذا الوجود –فلسوف يرى فجأة الإنسان المجروح خلف الوحش، و يتأرجح محتاراً في التماهي بين الضحية والجلاد- ويعرف كم أن التحفظات الأخلاقية لا تصيب كبد الحقيقة.

للخلف