الإزعاج والمضايقة Mobbing

10/08/2013 09:24

الإزعاج

التدمير السري للآخر

الإزعاج (باللغة الإنجليزية Mobbing) مفهوم حديث لوصف ظاهرة قديمة، ظاهرة مؤلمة وتبعث على الحزن إلا أنها تبدو حالة واسعة الانتشار في أيامنا . وهذه المضايقات أو "الدناءات أو الحقارات أو الخسة" هي تهديد للصحة النفسية ينغي لنا أن نأخذه على محمل الجد يمكن أن تتطور إلى "حرب-عصابات" داخل المؤسسة مع ما يحمله ذلك من عواقب اجتماعية نفسية و اقتصادية وخيمة.  وتزداد أهمية هذه الظاهرة في بعض المجتمعات العربية التي تسيطر عليها البيروقراطية الصارمة والتعامل مع الموظفين بناء على انتماءاتهم الاجتماعية أو السياسية أو الدينية أو المذهبية وتصنيف الناس إلى مؤيد ومعارض وحيادي إلى ما هنالك من مصطلحات ومفاهيم، وفي كل إدارة مؤسساتية تسيطر عليها العقلية الأمنية.

ويتوقع أنه يعاني في هذه الأيام الملايين من العمال والموظفين من المضايقات. وتسبب المضايقات المليارات من الخسائر من خلال تراجع الإنجاز. وهو ما على "الفاعلين" عديمي الضمير أن يتأملوا به. هذا بالإضافة إلى البنى الحديثة للمؤسسات تسهم في تصعيد الموقف أكثر. فالضغط يحتاج إلى تنفيس.

فيقوم الموظفون المرهقون والمحملون بالأعباء بالبحث بين الحين والآخر عن زملاء وزميلات أضعف منهم أو عن مرؤسين لهم لممارسة "رعبهم النفسي" عليهم وتسلطهم التدميري.

وللأسف فمازال علم النفس يتحفظ هنا بسبب عدم وضوح المظاهر الاجتماعية النفسية (الأسباب، صورة الشكاوى، المجرى، العواقب)، وبشكل خاص بسبب عدم الثقة حول الكيفية العلاجية التي على الإنسان أن يتعامل فيها مع هذه الظاهرة.  عدا عن أنه قلما يراجع المعنيون بالإزعاج طبيباً نفسياً أو متخصصاً نفسياً بسبب المضايقات لأسباب كثيرة أهمها الخجل. فالإنسان قد يخجل من الحديث عن أنه يتم قمعه وتجاهله وتشغيله في إعمال من دون مستواه...الخ. لهذا فإنه من المهم أن تتم التوعية إذ أن المضايقات لا تشتعل على شكل  "عمود من اللهب" يمكن ملاحظتة بسهولة و من ثم مكافحته، وإنما تدمر المضايقات من خلال انتشارها على شكل "حريق اجتماعي نفسي هائج" على شكل تكتيكات تدمير خفية. إذ يبدأ الأمر بإستراتيجية تدمير خفية من الصعب ملاحظتها تلاحظ على شكل:

  • معاملة المعني بشكل جاف.
  • عدم التكلم معه.
  • نشر الشائعات من وراء ظهره و النميمة وجعله مهزلة في عيون الآخرين. 

بعد ذلك تحصل اعتداءات ملموسة تهدف إلى التحطيم الهادف للعلاقات الاجتماعية و تضر باحترام وسمعة الشخص وتقلل من شأنه و تمنع محاولات التبرير وتقوض ببطء الإنجازات من نحو:

  • النقل إلى  مكتب آخر، بعيدة جداً على الأغلب عن الزملاء القياديين (محاولات العزل).
  • تحويل الأعمال التي تلحق الأذى بوعي المرء لذاته أو تجرح المشاعر بالذات (التكليف بأعمال من غير اختصاص الشخص أو أدنى من كفاءاته أو ليست من طبيعة عمله).
  • التقويم غير المناسب للأداء في العمل.
  • سحب الوظائف أو المهام.
  • التحميل المستمر بالأعباء، ولكنها تكون في الوقت نفسه أقل من المستوى المطلوب بشكل باعث على الشلل.
  • تحويل الواجبات والأعمال التي لامعنى لها.
  • تقييد أو قمع كل إمكانات التعبير عن الذات و التبرير و الدفاع عن النفس.
  • النقد المستمر للعمل أو للحياة الشخصية؟
  • الشتم العلني أو حتى الصراخ.
  • تهديدات شفهية أو خطية.
  •  إرهاب على الهاتف.
  • التشكيك بعدم الاستقرار النفسي أو حتى بوجود اضطراب نفسي، وأحياناً يتم تقديم نصيحة تبدو ذات نية حسنة ظاهرياً (حق يراد به باطل) لمراجعة متخصص نفسي للفحص.

وأخيراً ينتهي الأمر بمحاولات مباشرة من الإزعاج المستمرة أو المهينة من نحو:

  • التحرش الجنسي.
  • الإجبار على القيام بأعمال مضرة بالصحة.
  • التسبب بخسائر مالية للمعني (جعله يدفع تكاليف أمور مختلفة، حسم من المرتب...الخ)
  • تخريب مواد العمل أو المكتب أو تدبير المقالب المضرة به.
  • التهديد أو حتى استخدام العنف الجسدي...الخ.

ولكن على الأغلب يتم جعل الضحايا مهزلة و مستبعدين و مستنزفين من خلال التشكيك بأنفسهم وربما من خلال التهديد.

و المدراء مسؤولين هنا باضطراد عن هذه الظاهرة، جزئياً بسبب الأساليب غير الشريفة، وجزء آخر بسبب السكوت (بسبب الضعف أو الإستراتيجية) في التساهل مع مثل هذه التهجمات في ميدان عملهم.

العواقب الكارثية بعيدة المدى

العواقب معروفة: جو عمل مسموم يقود تقليل الالتزام وتراجع الإنجاز أو حتى توقفه، عدا عن فقدان الاحتكاك (حتى بالنسبة لغير المشاركين من خلال الجو العام المرهق)

أما بالنسبة للضحايا أنفسهم فتعني العاقبة النفسية أخيراً عواقب يمكن تفسيرها سيكوسوماتياً، واجتماعياً نفسياً أو حتى جسدية وأحياناً الاستقالة أو الإحالة المبكرة على التقاعد.

بل أن المرء يعتقد في الوقت الراهن أنه يمكن تقسيم الإزعاج إلى أطوار مختلفة، تبدأ بالإرهاق والعصبية وأولى الاضطرابات السيكوسوماتية و تنتهي بخطر مرتفع لتدمير الذات.

مكافحة البدايات قبل انفجار السد

الإزعاج عبارة عن مفهوم عريض. وعلينا التعامل معها بحذر. فغالباً ما تكون هذه مفاهيم جديدة لوقائع قديمة، تزحف فجأة أو بشكل مطرد إلى حقل الاهتمام. و مفهوم الإزعاج مثال على هذا. ويرى كثير من المدراء وغير المعنيين أن الأمر لايستحق الاهتمام. بل ربما يكون "وسيلة انتقاء مفيدة جداً في هذا الزمن". فما الذي على المرء حتى أن يفعله ضد هذا أ|صلاً إنه قد يكون موجوداً ولكن لاحول ولا قوة؟

ولكن الإزعاج ليست خطيرة بالنسبة للضحايا لأن الكثير من المعنيين الذين لا يعانون فحسب بل يخجلون من هذا ولا يعترفون بهذا، بل لأنها تمثل بهذا الشكل أكبر مصدر كامن للخطر، لأن هذا الأمر يقود في البداية إلى الاحتراق بصمت، ثم إلى إلى "الإقالة الداخلية". و في النهاية  يترك في النهاية عواقب نفسية وجسمية على المدى البعيد التي سيحمل أعبائها المجتمع.

ومن هنا يمثل إدراك هذه الظاهرة و محاولة فهمها والتعامل معها في وقت مبكر مهم جداً من أجل منع حصول الشلل في المؤسسات والانفجار والعدوانية ومن ثم تراجع الإنجاز والانهيار.

للخلف