الألم Pain

10/08/2013 09:46

الألم

شر لا بد منه

أ.د. سامر جميل رضوان

ترتبط أي محاولة لتعريف الألم بعقبات كثيرة ومتنوعة. فهو عبارة عن إحساس شخصي يرتبط بعلاقة متبادلة بين الإحساس وتفسير هذا الإحساس وبخبرات الشخص ومستوى نموه المعرفي. إنه خبرة غير مقبولة من المشاعر والأحاسيس يمكن أن ترتبط بتضرر حاد أو كامن في النسيج الحي أو يمكن وصفه من خلال مفاهيم قريبة من مفاهيم نوع أو شكل الضرر.  ويتضمن تعريف الألم بأنه إحساس أو خبرة جسدية،  أنه يمكن للإنسان أن يشعر بالألم دون وجود تضرر ما يمكن برهانه في الجسد وأنه خبرة مرتبطة بالانفعالات السلبية.

و الألم عبارة إشارات إنذار طبيعية للجسد يشير إلى وجود اضطراب ما. ولنتصور أننا لا نشعر بالألم إذا ما وضعنا يدنا على المدفأة فإننا سوف نعاني من حروق خطيرة قد تودي بحياتنا. وهذا هو النوع الحاد من الألم الذي يحذرنا في الوقت المناسب. ويؤدي دور الحماية كما هو الأمر عندما نعاني من المغص مثلاً حيث يستجيب الجسد بشكل آلي ويقوم بالعمل المناسب، أي بالامتناع عن الطعام حتى تزول الأسباب.

ولكن هناك من ناحية أخرى الألم المزمن الناجم عن الأمراض المزمنة والتي لا يمكن فيها إزالة السبب. وقد يتحول الألم هنا إلى معاناة حقيقة تطلق عليها تسمية "مرض الألم". ويكون الألم في هنا شديداً إلى درجة أنه يحتل مركز الملاحظة والانتباه ويسبب للشخص المعني معاناة شديدة ويلحق الضرر في المجالات المهنية  والاجتماعية ولأسرية. وتلعب هنا العوامل النفسية دوراً كبيراً بدء الألم واستمراريته وشدته.  وأي محاولة لفهم ومعالجة الألم لا تأخذ العوامل النفسية والاجتماعية والبيولوجية كوحدة متكاملة مع بعضها لا يمكن أن تقدم لنا فهماً لطبيعة الألم والتغلب عليه أو التخفيف منه. وتتضمن هذه الفكرة أن الرؤية الطبية للألم السائدة حتى الآن والمرتبطة بالبحث عن السبب في التضررات الكامنة في النسيج الحي قد تكون مفيدة بالنسبة للآلام الحادة. أما بالنسبة للآلام المزمنة فلا تقدم لنا هذه الرؤية إلا القليل من المساعدة، إذ أن الألم عبارة عن تركيب له مظاهر سلوكية كالتحمل و تجنب النشاطات ومظاهر انفعالية كالغضب أو الحزن أو عدم الاستقرار ومظاهر معرفية كاليأس والتهوين والتضخيم ومظاهر إرهاق ومظاهر سمات الشخصية.

 

الألم من المصدر إلى الإحساس

يحث مثير الألم القادم من الداخل أو من الخارج  الجسد على إفراز المواد الناقلة للألم. ويتم إفراز المواد الناقلة للألم هذه من الخلايا المتضررة وتصل بالتالي إلى قرب نهايات الأعصاب الحساسة للألم الموجودة في جميع أجزاء الجسد تقريباً. ويمتلك الجلد على سبيل المثال الكثير من نهايات الأعصاب تلك ولهذا فهو حساس جداً للألم. ويتم في المناطق الحساسة تحويل  المعلومات الكيماوية إلى معلومات كهربائية. ويتم توصيل رسالة "الألم" على شكل إشارة كهربائية إلى العمود الفقري عبر الجهاز العصبي ومن خلال العمود الفقري إلى الدماغ الذي يعمل عمل محطة توزيع للألم. وفي هذه اللحظة يشعر الإنسان بالألم. أما الزمن المنقضي بين حدوث مثير الألم والإحساس به فهو لا يتعدى بضعاً من مائة من الثانية. وتتوفر في الوقت الراهن القليل من المعارف حول التمثيل العصبي المركزي للألم، إذ لا يوجد مركز للألم في القشرة الدماغية وإنما توجد بنى وظيفية عصبية وتشريحية عصبية مختلفة كلية كجذع الدماغ ومنظومة الغدة النخامية –الهيبوتالاموس والتشكل الشبكي والجهاز اللمبي واللحاء الجديد Neocortex  تسهم في هذه العملية المعقدة التي تطلق عليها تسمية الألم.

الألم –تأثير له أسباب كثيرة

يمكن للألم أن ينشأ نتيجة كثير من العوامل الخارجية كالإصابة مثلاً كما ويمكنه أن ينشأ من خلال اضطراب العمليات الجسدية كالألم في الروماتيزم أو الصداع أو وجع الأعضاء في الأمراض التي تترافق بارتفاع درجة حرارة الجسم. وتطول قائمة أسباب الألم غير أن مجرى الألم واحد، إذ يحصل تضرر في استقلاب المواد، سببه إما من الخارج أو من الداخل الأمر الذي يقود إلى تحرير  رسائل الألم وبالتالي إلى الإحساس بالألم. وهذا بدوره يقود الجسد إلى ردود أفعال معاكسة للتخفيف من الألم بتحرير الأندروفينات أو ما يسمى بأفيونات الدماغ (وهي عبارة عن مواد كيماوية وظيفتها التخفيف من حدة الإحساس بالألم).

الإحساس بالألم يختلف باختلاف الناس

عندما نقوم بوصف الألم فإننا نستخدم على الأغلب مصطلحات على نحو ألم ضاغط ونقار وحفار وطارق وواخز وقابض ومستعر، دائم أو على شكل موجات خفيف أو لا يطاق. إن الإحساس  بالألم يتعلق بنوع الألم. فالشعور بالألم الناجم عن الالتهاب يختلف عن الشعور بالألم الناجم عن التشنج. بالإضافة إلى أنه لمكان الألم دور كبير. ففي حين أن الألم في أعماق الجسد كألم الأمعاء يظهر على شكل مقبض غالباً، يكون الألم السطحي حاداً و مستعراً.

بالإضافة إلى هذا يمكننا القول أن كل إنسان له ألمه الخاص جداً. وتتعلق طبيعة الإحساس بالألم والتعامل معه  بالتربية (خبرات التعلم المتعلقة بكيفية استجابة الوالدين أو المحيط للألم والتعامل معه)  والطبع أو حتى بالانتماء لشعب أو مجموعة عرقية معينة. فهناك من يبالغ إذا ما شعر بوخز بسيط  وعابر في صدره ويضخم الأمر وهناك من يعاني من آلام مبرحة ويستمر بمواصلة حياته دون إعارتها الكثير من الاهتمام.

الأنواع الغالبة من الألم

تصنف الجمعية العالمية لدراسة الألم International Association for the study of Pain 300 متلازمة من متلازمات الألم. و يعتبر الصداع وآلام الأسنان والدورة الشهرية وكذلك آلام الأعضاء في الأمراض المترافقة بارتفاع درجات الحرارة من أكثر الآلام ملاحظة. كما وتعتبر آلام البطن الانتكاسية من أكثر أنواع الآلام التي يراجع الأطفال بسببها الأطباء.  وتصنف الآلام إلى أنواع ثلاثة : الحادة التي يمكن تحديد السبب فيها ولا تدوم كثيراً، الألم الناجم عن العمليات الجراحية وما يشبه ذلك، والآلام الانتكاسية المتكررة بشكل منتظم كالشقيقة وآلام الظهر والبطن ويكون منشأها غير واضح كلية، والآلام المزمنة كتلك الناجمة عن الحوادث والحروق أو الناجمة عن مرض مزمن كالتهاب المفاصل والسرطانات…الخ.

الطريق إلى الطبيب

كلنا يعرف الألم. وفي كثير من الحالات يمكن أن يكون الأمر عبارة عن آلام يومية لا قيمة لها يمكن علاجها. غير أنه في بعض الأحيان لا مناص من مراجعة الطبيب وعلى الإنسان ألا يتردد في مراجعة الطبيب في الحالات التالية:

  • عندما يستمر الألم لفترة طويلة أو عندما يعاني الإنسان من الصداع بكثرة.
  • عندما يعاني الإنسان من صداع شديد.
  • عندما تعاني النساء من آلام شديدة عند كل دورة شهرية.
  • عندما يعاني الإنسان من صداع مترافق باضطرابات في الرؤية أو مع الإقياء أو الحرارة.
  • عندما يعاني طفلك من صداع متكرر.
  • عندما يعاني الإنسان من آلام الأسنان.

وهذه الإرشادات عامة جداً بالطبع. فكل إنسان يستطيع بنفسه تقدير فيما إذا كان يعاني من آلام طبيعية بالنسبة له أم من آلام غير مألوفة وشديدة . وما على المرء إلا الانتباه للإشارات التي يطلقها الجسد.

 

الخطوة الأولى: المساعدة الذاتية

لتخفيف الألم توجد وصفات بلدية كثيرة نعرف الكثير منها ونستخدمها في حياتنا منها الهواء المنعش والهدوء في الصداع و  الثلج للتبريد في آلام الأسنان الحمام الدافئ في التشنج وتناول النباتات الطبية الدافئة. ويمكن لهذه القائمة أن تمتد إلى ما لانهاية. وعلى الإنسان أن يحاول استخدام هذه الوصفات قبل أن يلجأ للأدوية. كما ويمكن للإنسان أن يقوي مفعول الأدوية من خلال الإجراءات أو الوصفات  المذكورة. وهناك الكثير من الأدوية في الأسواق التي تخفف الألم. غير أن تأثيرها لا يقوم على التغلب على السبب وإنما على منع وصول المواد الناقلة للألم للدماغ أو منع تشكلها بالأصل. وبالتالي فهي تساعد على تحمل الألم والتخفيف منه ولكنها لا توفر علينا مراجعة الطبيب.

وفي الآلام الناجمة عن الأمراض المزمنة يصعب التغلب على الألم وبالتالي يحتل التعامل مع الألم والتخفيف من حدته مركز الصدارة في المعالجة. وتتوفر اليوم إلى جانب الإجراءات الطبية مجموعة كبيرة من البرامج النفسية التي تفسر نشوء الألم و تهدف من خلال تدريب المرضى على التعامل مع الألم إلى التخفيف من حدته وتجنب حدوثه إذا كان انتكاسياً وإكسابهم المهارات المعرفية والسلوكية من أجل التخفيف من العواقب الاجتماعية والنفسية والمهنية للألم.

 

المراجع

  1. Dagmar Breuker, Stephan Muhlig & Franz Petermann: (1994). Schmerz. Hogrefe. Goettingen.
  2. H. D. Roesler & H. Szewcyk: (1987). Medizinische Psychologie. Verlag Volk und Gesundheit Berlin.
  3. Rudolf Klussmann :(1992). Psychosomatische Medizin. Springer. Berlin.  
للخلف