اضطرابات ما بعد الصدمة 1

10/08/2013 09:41

الاضطرابات الناجمة عن الصدمة (1)

أ.د. سامر جميل رضوان

يمر الناس في كثير من بقاع العالم اليوم بأزمات وجودية عميقة تهز كيانهم، كالحرب أو الجوع أو الكوارث الطبيعية أو الاغتصاب الجنسي أو الاستغلال الجنسي أو الاختطاف أو النهب والسلب أو حوادث الطائرات والسيارات. ولعل أقرب وصف لعاقبة هذه الأمور هي ما تصفه العامة "بالصدمة" أو "استجابة الصدمة" أو "أزمة نفسية" أو "نوبة عصبية" أو "انهيار عصبي"  أو كما يسميها المتخصصون استجابة للضغط التالي للصدمة Post traumatically Stress reaction. وهذه الاستجابة يمكن أن تأخذ مجريين:

  1. استجابة الضغوط التالية للصدمة التي تأخذ مجرى يتراوح بين الخفيف إلى المتوسط.
  2. استجابة الضغوط التالية للصدمة التي تأخذ مجرى يتراوح بين طويل الأمد إلى المزمن .

ما الذي يمكن أن يقود إلى الضغط المتطرف؟

هناك مجموعة من الأحداث التي يمكن أن تقود إلى هذا النوع من الاستجابات المتطرفة: 

  • التعرض الفردي لتأثيرات العنف: كالتهديد و السرقة (حوادث السلب والنهب أو حوادث السير)، الاختطاف/الأخذ كرهينة، التصفية الجسدية، الإرهاب، معسكرات الاعتقال، الأسر، الاغتصاب، الاستغلال الجنسي، أعمال العنف الأخرى، التسبب بحادث شديد...الخ.
  • مشاهدة تأثيرات العنف: مشاهدة حادثة أو أكثر من الحوادث المذكورة أعلاه.
  • العنف الجمعي: المواجهات العسكرية والحروب الأهلية أو الطائفية أو العقائدية أو القبلية، التهجير الهرب...الخ.
  • الكوارث الطبيعية: كالزلازل (حيث تؤثر الزلازل على شكل فقدان الأمان حيث يبدو ما كان حتى الآن أكثر شيء باعث على الأمن والاستقرار غير موثوق)، والبراكين و الحرائق الكبرى والصواعق والفيضانات (من نحو انهيار السدود)، والأعاصير وانهيار الجبال والانهيارات الثلجية....الخ.
  • كوارث تكنولوجية: كحوادث السيارات و السفن و القطارات والطائرات و الحوادث النووية و الكيميائية و الكهربائية.
  • الضغوط  الجسمية و النفسية الشديدة: كالحروق و الذبحات الصدرية و الآفات القلبية والجلطات الدماغية، وحالات الألم و والكوي بالمواد الكيماوية والتشويهات، وأحياناً يكون مجرد معرفة تشخيص ما أو الإخبار بحدث مرهق أو مرض وخيم العامل الذي يستثير هذا الاضطراب. كما لا يقتصر الأمر على المعنيين مباشرة بالحدث بل ويحدث أيضاً مع الآخرين الذي لا يكونوا معنيين بالأمر بشكل مباشر (وبشكل خاص الأقارب أو الأصدقاء): المرض، الموت، العنف، الكوارث. وأحياناً أيضاً الرؤية غير المتوقعة لإنسان ميت أو لجزء من الجسد سواء بشكل مباشر أو حتى في وسائل الإعلام.

ومن المهم معرفة أن الذين لا يستطيعون التعامل مباشرة مع الأحداث المرهقة المتطرفة ليسوا ضعاف الشخصية، وإنما هم أشخاص يحتاجون إلى وقت لتمثل هذه الخبرات الصادمة، والأفضل بالطبع الحصول على المساعدة النفسية و الطبية المدربة للتعامل مع هذه الحالات.

بعض الناس يكونون أكثر حساسية وعاطفية من البعض الآخر، وهي سمة قد تكون ذات قيمة في مجالات كثيرة من الحياة إلا أنها في هذا المجال بالتحديد تشكل بالنسبة للشخص إرهاقاً إضافياً وعبئاً عليه.

لدى بعض الناس  قد تسبب صدمة قديمة (وهي التعبير العلمي للأذى الجسدي، وبهذا المعنى أيضاً الجرح النفسي) "خبرة صدمة" جديدة لم يتم تمثلها بشكل مناسب بعد. ومن ثم تقوي إحداهما الأخرى. وفي حالات ليست قليلة يكون الحدث غير قابل للاستيعاب ومرعباً و صادماً وبالتالي يستمر إلى ما لانهاية، بحيث يصعب حتى على أشد الأشخاص قوة  العودة إلى مجرى الحياة اليومية العادية-مع وجود فروق فردية في هذا. وينطبق هذا بشكل خاص على أقارب العاملين في الميادين الخطيرة كالعاملين في مجال الإنقاذ (الشرطة، و الإطفاء والمسعفون والأطباء عموماً، وأطباء الإسعاف خصوصاً والممرضات و الممرضين في الأقسام العلاجية المختلفة و العاملين في).

في بعض الأحيان تبدو مثل هذه الأحداث للخارج غير مضرة أو غير مؤذية على الإطلاق، إلا أنها تمثل بالنسبة للمعنيين بناء على التاريخ السابق الفردي، والموقف الشخصي من حدث ما  إرهاقاً من الدرجة العليا. ويصبح هذا الأمر أصعب وأشد لأن الإنسان لايستطيع بأي شكل من الأشكال إيجاد تفهم من محيط لايعرف بالطبع شيئاً، فيظل الإنسان وحيداً و من ثم محملاً فوق طاقته.

وعلينا في كل الأحوال أن نأخذ بعين الاعتبار أن استجابات الضغوط التالية للصدمة سواء كانت قصيرة الأمد أم مديدة تتزايد باطراد حتى وإن كنا لا نشاهدها أو لا نعرف عنها وبالتالي فإنه من النادر أن يتم تقبلها كسبب. ومع ذلك على الإنسان أن يفكر بالتمثل النفسي الداخلي. إذ من لا يفكر بهذا يكون  على المدى البعيد معرضاً لخطر الاضطرابات النفسية أو النفسية الاجتماعية أو النفسية الجسدية المزمنة.

إمكانات المساعدة

غالباً ما تكون إمكانات المساعدة بعد مثل هذه الضغوط المتطرفة غير باعثة على الرضا. ولا يكمن هذا في قلة العرض أو في نقص التفهم وإنما في قلة مستوى المعلومات –حتى الآن في كل الأحوال. يبدأ هذا من المحيط القريب (الشريك، الأسرة، زملاء العمل) و يمتد إلى الإدارة ومحيط الأصدقاء والجيران...الخ. غير أن السبب الأهم والأساسي يكمن في عجز جميع المشاركين على تصور شيئاً من هذا على الإطلاق، ناهيك عن عدم تمكنهم من أن يهبوا للمساعدة. هذا عدا عن عدم كفاية المتخصصين المؤهلين لمواجهة مثل هذه الاضطرابات كالمتخصصين النفسيين والأطباء المتخصصون بالعلاج النفسي. باختصار لابد على الأقل من تعزيز التفهم من خلال المعلومات الهادفة وتقديم المعارف الأساسية، وتشجيع تقديم نوع من "الإسعاف الأولي" على المستوى النفسي.

اضطرابات الضغوط التالية للصدمة مواضيع للبحث

تعد اضطرابات الضغوط التالية للصدمة من أهم مواضيع البحث في وقتنا الراهن  في علم النفس، نظراً للانتشار الواسع لهذه الاضطرابات وتزايد الاهتمام العلمي بها. فهل هي مهمة أيضاً بالنسبة لحياتنا اليومية؟

في الواقع نحن نسمع وبشكل خاص عن  أسرى الحروب والمعتقلين السياسيين والتصفيات الجسدية و الأعمال الانتحارية و الكوارث الطبيعية، ونلاحظ معاناة الأقارب أو المعارف أو الأصدقاء الذين يمسهم هذه الأمر، و نشاهد في وسائل الإعلام في كل يوم ولحظة عشرات حوادث القتل والتدمير، في فلسطين والعراق ولبنان. ومع ذلك فإن الوطن العربي يتعامل مع مثل هذه الجوانب من الناحية النفسية وكأنها غير موجودة تاركاً الضحايا لعذابهم وآلامهم. ومع ذلك فإن هذا الاضطراب موجود في حياتنا اليومية إلى درجة أنه يمكن أن يمس كل واحد فينا. ولكن ليس هذه فقط بل هناك مجموعات مهنية أيضاً تعاني من اضطرابات ما بعد الصدمة كالأطباء و رجال الإطفاء و الإسعاف و الشرطة. ومع ذلك فلا يوجد للأسف سوى عدد يكاد يعد على الأصابع من المتخصصين.

للخلف